الضحكة الصفراء ولغة البلوط

"كل إنسان عادي على وجه الأرض، غير متوثر وغير مجهد، يكذب في المتوسط ثلاث مرات كل عشر دقائق" البروفيسور الأمريكي بول إيكمان
الضحكة الصفراء ولغة البلوط
الضحكة الصفراء
إذا كان اللون الأصفر يعتبر إيجابيا لأنه يعبر عن أشعة الشمس أي الحياة، كما أنه يعبر أيضا عن الذهب والثروة والقمح أي الطعام، فإنه مع ذلك اعتبر لونا سلبيا، فأصحاب البشرة الصفراء خلال القرن الثامن عشر تم اعتبارهم مرضى بالكبد، فتم نبدهم، الشيء الذي عقد حالتهم الاجتماعية ووضعهم النفسي، وحثم عليهم مرغمين الضحك قسرا لتفادي تنميطهم من طرف المجتمع كمرضى ومعقدين، غير أن تعبير الضحكة الصفراء يعود في حقيقة الأمر إلى منتصف القرن السابع عشر، وكان يُقصد بها الضحكة الفاسدة التي تصدر عن جسد مريض عليل، ومنذ هذا التاريخ تم اعتبار الضحكة الصفراء ضحكة معتلة ومراوغة لا تعبر بتاتا عن طوية صاحبها وما يختلج في صدره من مرض ومكر وخداع، ولا يحتاج المرء اليوم أن يكون عالما نفسانيا كي يدرك بأن ضحكات معظم البشر صارت اليوم جميعها صفراء ولو أبانت عن أسنانها الناصعة البياض كما يظهر في إشهار معاجين الأسنان، لسبب بسيط هو أن 'السن يضحك للسن والقلب فيه الخديعة'  كما جاء على لسان سيدي عبدالرحمان المجذوب رحمه الله.
لغة البلوط ولغة الخشب
هي تلكم اللغة التي لا يتقنها إلا المسؤولون السياسيون والمنتخبون الذين يعرفون جيدا من أين تُـأكل الأكتاف وليس الكتف لأنهم قوم لا يشبعون ولا يرتوون، وكلما ازدادوا أكلا ازدادوا نهما وجشعا، وأهم ما يميز هذه اللغة هو إخفاءها الحقائق بطريقة لغوية بهلوانية، والإجابة عن الأسئلة من دون الإجابة عنها، وفي أحسن الأحوال إغراق المتلقي، في غياب رؤية واضحة أو معرفة موضوع ما، في طوفان من الكلمات الجوفاء الغامضة، لخلط الأوراق ومحو أية معالم لطريق أو سبيل واضح يوصل إلى الحقائق كما ينبغي أن تظهر للملإ بكل وضوح.
وتجدر الإشارة أيضا على أن اللغة الخشبية تستعمل من طرف هؤلاء المسؤولين والمنتخبين لجعل شخص يعتقد أنهم ليسوا طرفا معادٍ له، وأنهم ملائكة يرفرفون بأجنحة في الملكوت الأعلى، بينما هم في حقيقة الأمر يتلاعبون بعقله ووجدانه وحياته التعيسة لأغراضهم الخاصة، وكما قال السياسي والدبلوماسي والقائد العسكري الفرنسي 'شارل موريس تاليران': "إِنَّ الْكَلِمَةَ أُعْطِيتْ لِلْإِنْسَانِ كَيْ يُخفِيَ أَفْكَارَهُ".
وكان الناس  العاديون المضطهدون في روسيا القيصرية قبل الثورة البولشيفية بقيادة ‘فلاديمير لينين' ويده اليمنى 'جوزيف ستالين'  يُطلقون على لغة النظام الإداري البيروقراطي الخانق للأنفاس "لغة البلوط"، ومع مرور الزمن وتطور 'التنوعير' السياسي تم استبدل البلوط بالخشب، وهكذا نشأت "لغة الخشب" ثم ما لبثت أن انتشرت كالنار في الهشيم في جميع أرجاء الكرة الأرضية.
وعلى أية حال فإن لغة الخشب وإن كانت أكثر نفاقا ومراوغة وتلاعبا بالعقول فإنها تبقى أقل اضطهادا وبطشا وكبثا للأفكار من لغة البلوط، هذا كل ما حققته البشرية في ظرف قرن من الزمن في الميدان السياسي والميدانين النفسي والاجتماعي: الإنتقال من لغة البلوط إلى لغة الخشب، مع تجميلها بالكثير من الماكياج والمساحيق الاصطناعية التي لا يمكنها في جميع الأحوال أن تعيد الحياة فيما أفسده الدهر.
الموظف الذي أراد أن يُصبح مليارديرا
قرر أحد الموظفين الحكوميين أن يجعل قليلا من النظام في خزائن مكتبه التي تسودها الفوضى والعشوائية و'كور واعط للأعور' كما هو جار به العمل لدى الكثير من الموظفين، فإذا به يعثر على فانوس عجيب تحت كومة من الكرتون المغبر، فأُعجِبَ الموظف بهذا المصباح الفريد وحمله معه إلى منزله ليضعه فوق الموقد، ومع حلول المساء وبينما كان الموظف منهمكا في صقل وتلميع الفانوس، انطلقت فجأة سحابة من الدخان الأزرق الشديد اللمعان وملأت جميع أركان الغرفة، فظهر من خلالها عفريت:
-أنا عفريت هذا الفانوس، ويمكنني أن ألبي لك ثلاثة رغبات،
فرد الموظف بدهشة وسرور لا يوصفان:
-أريد أن أكون وسيما وذو عضلات قوية ومفتولة مثل الممثل السينمائي 'أرنولد شوارزنيجر'،
وعلى الفور تحول الموظف الحكومي المنهك والضعيف البنية من هيكل عظمي وعضلات ضامرة  إلى رجل بعضلات مفتولة وقوية مثل التي لدى 'أرنولد شوارزنيجر' تماما،
فقال العفريت: هات طلبك الثاني،
فرد الموظف: أريد أن ترسلني إلى إحدى الجزر البولينيزية المأهولة فقط بالسكان الأصليين من النساء لا غير، وفي رمشه عين يجد الموظف نفسه على شاطئ من الرمال البيضاء يرقد على بحيرة زرقاء تحت أشعة الشمس الذهبية تحيط به مجموعة من الحسناوات ذات العيون الخضر والزرق وما بينهما من الأطياف.
هات طلبك الثالث والأخير، قالها العفريت
فرد الموظف: أريد ألا أعمل أي عمل أبدا بعد الآن أريد فقط أن أبقى مرتخيا ومستلقيا مهما كانت الأحوال والظروف والأموال تتناثر من حولي مثل مليارديرات العالم،
وفي الحين وجد الموظف الحكومي نفسه هيكلا عظميا يكاد ينتحر من الأسى وسط مكتبه المليء بملفاته المكدسة وأوراقه المبعثرة، فعض على أصابعه من الندم، بينما اختفى العفريت واختفى معه الفانوس إلى الأبد.
قبلة في المكان الغير مناسب
وقع حادث سيارة رهيب لزوجين، أصيبت على إثره الزوجة بحروق من الدرجة الثالثة في وجهها وفي أجزاء مختلفة من جسمها، فقال الطببيب للزوج الذي خرج سالما من الحادث: يجب على الفور ومهما كلف الأمر أن نقوم بعملية زراعة للجلد في وجه زوجتك لإخفاء كل التشوهات، غير أن المشكلة تكمن في عدم إمكانية أخذ الجلد من زوجتك لأنها مصابة بحروق في مختلف أنحاء جسمها، وأرى من الأمثل أن نأخذ الجلد منك، فوافق الزوج دون تردد، فأخد الطبيب شرائح جلدية من مؤخرة الزوج لأنها المكان الوحيد الذي يوجد به جلد أملس حسب ادعاءه، وكللت عملية الزرع بالنجاح.
وبعد شهر أزال الطبيب الضمادات عن وجه الزوجة، فظهر العمل الرائع الذي قام به الجراح، بحيث استعادت الزوجة جمالها كما كانت عليه قبل وقوع الحادث، فحدثت الزوجة زوجها ممتنة: إنه لشي رائع ما قمت به من أجلي ولن أنساه أبدا، وإنني لجد محرجة وأتساءل مع نفسي ماذا بإمكاني أن أقدم لك مقابل ذلك، فرد الزوج: لا تكثرتي لذلك عزيزتي، وإنه لمن دواعي غبطتي وانشراحي اللذان لا يمكنني وصفهما أن أرى أمك تقبلك على خدك كل مرة قامت بزيارتنا.
الدراع الطويلة أجدى وأفضل من الدراع القصيرة
إذا أخدنا على سبيل المثال شخصين بنفس الطول لأحدهما دراع طويلة عن الآخر، ثم وضعناهما تحت شجرة من الكرز محملة بثمار ناضجة تسر الناظرين وتُسيل لعابهم، فمما لا شك فيه أن صاحب الدراع الطويلة يمكنه أن يستمتع أكثر بفواكه الكرز أكثر من رفيقه صاحب الدراع القصيرة، لأن شعاع نفوذ الدراع الطويلة أكبر، وإذا كانت الصورة واضحة مثل الشمس في واضحة النهار، فإن الدراع استخدمت منذ القدم كرمز للسلطة والقوة، وكلما كانت هذه الدراع طويلة كلما كانت منطقة نفوذها كبيرة، وهذا ما يؤكد أهمية الدراع الطويلة في الحصول على العديد من المزايا والمنافع التي يحرم منها أصحاب الأدرع القصيرة، وعندما نتحدث عن شخص بأن له دراع طويل فهذا يعني أن لديه شبكة واسعة من المعارف في الدوائر العليا للسلطة والقرار، تمكنه دون غيره من 'الـمْوَاطْيِـيـــنْ'  عفوا 'المواطنين' من الحصول على الكثير من المصالح والمنافع بدون أية كلفة أو جهد يذكران، سواء لنفسه أو لتريكثه من الأقربين الأولين منهم والآخرين.