يمكن فرز معادن الناس من خلال قاعدة أزلية وهي البذل، فالنفوس النبيلة تأنف أن تأخذ شيئا بدون بذل مجهود وعرق وعناء، لأنها تفضل أن تعطي للحياة كل شيء مسبقا قبل أن تنال أجرها وتكسب عيشها، أما قطعان الحثالات البشرية في جميع العصور منذ بدء الخلق فإنها تريدها بَارِدَةً بدون عَرَقٍ ولا عَنَاءٍ وَلاَ بَذْلِ أيِّ مَجْهُودٍ، تريدها بالاحتيال والغش والتزوير والنهب والاستحواذ واللصوصية، والاتجار في المحظورات والممنوعات والمحرمات، إنها سُلالةٌ قد تَعَفَّنَتْ وَزَكَّمَتِ الأُنُوفَ رَوَائِحُهَا العَطِنَةِ من كثرة خوضها في المياهِ الآسنةِ والمستنقعاتِ النتنةِ المتعفنةِ، ولم يَتَبَقَّ فيها إلا القشورَ من مظاهر الأبهة الفارغة المتجلية في القصور الفخمة، والإقامات المحروسة، والسيارات الفارهة، غير أن الأساس في الواقع منخورٌ فاسدٌ فساداً عظيماً، من الشيخِ الكبيرِ حتى الجنينِ الذي ما يزال في بطنِ أمهِ.
كل القيم والمبادئ الإنسانية السامية التي تضبط وتضمن سلامة واستمرارية المجتمعات البشرية رأيتها تتداعى من حولي بسرعة خارقة، الطيبوبة والكرم والتواضع والعفة والأمانة لم تعد في أيامنا العفنة هذه تسمن ولا تغني من جوع، وحتى الشر الذي كانت له رائحة نتنة في الماضي يفر منها الناس فرادى وجماعات فَقَدَ هذه النتونة التي تزكم الأنوف واستطاب رائحته الجميع الآن، فأصبح الإنسان الطيب يُنْعَتُ بالغبي والأبله والساذج، في حين أن الشرير الفاسد أصبح يُنْظَرُ إليه بأنه أذكى الأذكياء، لقد فسدت اللعبة برمتها فسادا عظيما لدرجة أن الأرض أصبحت تنهار من تحت أقدامنا في كل بقاع الدنيا.
كل القيم والمبادئ الإنسانية السامية التي تضبط وتضمن سلامة واستمرارية المجتمعات البشرية رأيتها تتداعى من حولي بسرعة خارقة، الطيبوبة والكرم والتواضع والعفة والأمانة لم تعد في أيامنا العفنة هذه تسمن ولا تغني من جوع، وحتى الشر الذي كانت له رائحة نتنة في الماضي يفر منها الناس فرادى وجماعات فَقَدَ هذه النتونة التي تزكم الأنوف واستطاب رائحته الجميع الآن، فأصبح الإنسان الطيب يُنْعَتُ بالغبي والأبله والساذج، في حين أن الشرير الفاسد أصبح يُنْظَرُ إليه بأنه أذكى الأذكياء، لقد فسدت اللعبة برمتها فسادا عظيما لدرجة أن الأرض أصبحت تنهار من تحت أقدامنا في كل بقاع الدنيا.
لقد عشت كي أرى كل شيء من حولي في هذا الزمان يتفسخ تفسخا سريعا، ويتداعى كما تتداعى الأبنية والصروح الإسمنتية الشاهقة عندما تهزها هزا عنيفا زلازل مدمرة منبعثة من جوف باطن الأرض، التي على ما يبدو قد ضاقت بتصرفات البشر وظلمهم وفسادهم الكبير، وهو ما بدأت حاليا تظهر آثاره بشكل جلي في كل مكان من الكرة الأرضية، والآتيات من الليالي القادمات المظلمات الحالكات المهلكات ستكون أمر وأقسى.
يجب علينا ألا ننسى أو نتناسى بأن الفحم والماس هما في جميع الأحوال نسيبان من أصل وفرع واحد، يرجع نسبهم إلى جدهم الأكبر السيد الكربون، كل ما هنالك أن نفاق الناس هو من يُضفي على الماس الصلابة وهالة الحجر النفيس ليس إلا، وأحكام كل الناس إلا من رحم ربي شخصية ونسبية، ويشوبها في معظم الأحيان الكثير من التحيز والمحاباة والنفاق والمغالطات الصارخة.
لقد آن الأوان أن تضعوا حدا لصغائركم أيها الدجالون المخدوعون، وتريحوننا بعض الشيء من صياحكم وضجيجكم وضجيج الحثالات من معجبيكم الذي ملأ الآفاق، لأن كل ما تعتبرونه أنتم من وجهة نظركم شهرة وانتصارا لأجسادكم ونفوسكم الفانية، وأهوائكم المتلونة والمتقلبة ما هو إلا حقارة، وإن أردتم حقا أن تكونوا شيئا مذكورا، فكونوا كأمنا الحنون الشمس التي تشرق وتغرب بانضباط كل يوم في صمت تام بدون كلل أو وجم أو تهليل أو صياح، وهي تطعم وتغذي البشر والحيوان والشجر والحجر بطاقة الحياة المتدفقة من أثدائها.
والتي قال في مدحها الكاتب المصري الكبير أحمد أمين رحمه الله: أَيَّتُهَا الشَّمْسُ، تَلْحَسِينَ البَحْرَ بِشُعاعِكِ، فَيَتَحَوَّلُ مَاؤُهُ بـُخَاراً، يَصْعُدُ إِلَيْكِ ليَسْتَجِيرَ مِنْكِ، ويـَمْثُلُ بَيْنَ يَدَيْكِ لـِتَمْنَحِيهِ عَفْوَكِ، حَتَّى إِذَا شَعَرَ بِرِضَاكِ، دَمَعَ دَمْعَةَ السُّرُورِ، فَفَارَقَتْهُ مُلُوحَتُهُ، وَعَادَ إِلَيْهِ صَفَاؤُهُ وَعُذُوبَتُهُ، وَاكْتَسَبَ مِنْكِ الحَيَاةَ، فَصَارَ مَاءً جَارِيّاً، بَعْدَ أَنْ كَانَ مَاءً رَاكِداً، وَجَرَى جَدَاوِلَ وَأَنْهَاراً، تُحْيِي ذَابِلَ الأَزْهَارِ وَالأَشْجَارِ، وَتَسْتَخْرِجُ دَفِينَهَا، وتُنْضِجُ ثـِمَارَهَا، فَمَا أَعْظَمَكِ أَيَّتُهَا الشَّمْسُ ! وَأَعْظَمُ مِنْكِ مَنْ خَلَقَكِ !
استحيوا بعض الشيء أيها الدجالون المخادعون المخدوعون بشهرتكم الزائفة، فلو كنت مكانكم لدفنت نفسي تحت الأرض بدون انتظار، فأنتم في حقيقة الأمر لا تساوون مثقال ذرة من غبار.