يعتبر أنطون تشيخوف أحد عمالقة الأدب المسرحي الروسي من الرواد الكبار في مجال القصة القصيرة التي اتخذ في معظم كتاباتها موضوعا رئيسيا متجليا بالأساس في العزلة الجوهرية لدى الإنسان وعجزه الواقعي البين ومدى معاناته جراء ذلك، بالرغم من المظاهر البراقة الزائفة التي يحاول أن يمني بها نفسه كي ينسى حقيقة أمره، يمتاز أسلوبه بالواقعية والبساطة والوضوح، ولعل قصصه التي صور فيها حياة الروس وما كان يعتريها من رتابة وخمول وبلادة لخير دليل على واقعيته التي لم يتزحزح عنها قيد أنملة طوال حياته الأدبية.
من أعظم مؤلفاته 'الخال فانيا'، 'الأخوات الثلاث'، 'بستان الكرز' و'الشفق'، بالإضافة إلى مسرحيتي 'إيفانوف' و 'الطائر البحري'، وما يفوق ألف قصة، تركت أثرا عميقا وخالدا في الأدب العالمي المعاصر، من أقوال، هذا الأديب المتواضع والدمة الخلق، التي تسمو إلى درجة الحكمة: 'الإنسان الطيب يخجل أحيانا حتى أمام كلبه'، 'كلما ازدادت ثقافة المرء ازداد بؤسه وشقاؤه'، 'في قطارات الدرجة الأولى نجد حثالات المجتمع'، والقصة التالية بعنوان 'قمحة في حجم بيض الدجاجة' توضح بشكل صريح مدى براعة ورصانة وبساطة أسلوب وعلو كعب أنطون تشيخوف، والعباقرة العظماء كانوا دائما بسطاء بلا تعقيدات في التعبير والكتابة ولا فلسفات 'النخوة على الخوا':
من أعظم مؤلفاته 'الخال فانيا'، 'الأخوات الثلاث'، 'بستان الكرز' و'الشفق'، بالإضافة إلى مسرحيتي 'إيفانوف' و 'الطائر البحري'، وما يفوق ألف قصة، تركت أثرا عميقا وخالدا في الأدب العالمي المعاصر، من أقوال، هذا الأديب المتواضع والدمة الخلق، التي تسمو إلى درجة الحكمة: 'الإنسان الطيب يخجل أحيانا حتى أمام كلبه'، 'كلما ازدادت ثقافة المرء ازداد بؤسه وشقاؤه'، 'في قطارات الدرجة الأولى نجد حثالات المجتمع'، والقصة التالية بعنوان 'قمحة في حجم بيض الدجاجة' توضح بشكل صريح مدى براعة ورصانة وبساطة أسلوب وعلو كعب أنطون تشيخوف، والعباقرة العظماء كانوا دائما بسطاء بلا تعقيدات في التعبير والكتابة ولا فلسفات 'النخوة على الخوا':
عثر بعض الصبية ذات يوم في أحد الأقبية على شيء يشابه شكلا حبة القمح في وسطها شق ينتهي بنهايتها ولكنها بحجم بيضة الدجاج، رآها أحد المارة في أيدي الصبية واشتراها منهم ببنس واحد ثم حملها إلى المدينة حيث باعها للملك كعجيبة من عجائب الزمان، جمع الملك علماءه وطلب منهم أن يكشفوا له عن سر تلك العجيبة، لكنهم فشلوا ولم يهتدوا إلى ذلك بعد طول تفكير وبحث وتمحيص، وبقي أمرها خافيا حتى طارت نحوها دجاجة ونقرتها فانكشف الأمر وانجلى السر، وعلم كل من رآها أنها حبة من القمح، عند ذلك هرع العلماء إلى الملك وزفوا إليه الخبر، فدهش وطلب منهم أن يعمقوا البحث في دراسة هذه القمحة ويخبروه في أي زمان زرعت وفي أي مكان نبتت، عاد العلماء إلى الدرس والتفكير منكبين على كتبهم للوصول إلى نتيجة إلا أنهم لم يستطيعوا فك اللغز، فقالوا للملك: "لا نستطيع أن نجيبك لأننا لم نعثر في الكتب التي بين أيدينا على تفسير لهذه الظاهرة، فليأمر مولانا الملك بسؤال الفلاحين في هذا الشأن، فقد يوجد بينهم من سمع شيئا من آباءه عن زراعة القمح في مثل هذا الحجم".
أرسل الملك في طلب مزارع من القرويين المعمرين، وبحث عمال الملك عن رجل فيه الأوصاف المطلوبة حتى عثروا على شيخ شاحب اللون، لم تُبق الأيام على هيكله البالي سوى جلد مجعد على عظم دقيق، وكان منحني الظهر يتوكأ على عكازتين تساعدانه على الحركة، فلما مثل بين يدي الملك عرض عليه القمحة، فبدأ يفحصها بعينيه الضعيفتين اللتين لم يبق فيهما سوى بصيص ضئيل من نور الإبصار، فسأله الملك: "أيها الشيخ العجوز أتخبرنا أين تنبت مثل هذه القمحة؟، وهل تذكر أنك اشتريت قمحا من نوعها أو زرعت في حقلك ما يماثلها؟، أجاب الشيخ بعد جهد جهيد لإصابته بالصمم ومشقة في الكلام: "كلا إنني لم ازرع مثل هذه القمحة في حقلي ولم أشتر ما يشابهها، فالقمح الذي كنا نشتريه صغير الحجم كقمح هذه الأيام، ويمكن للملك أن يسأل أبي فلربما يكون قد سمع شيئا عن وجود مثل هذه القمحة، فأرسل الملك في الحال في طلب أبيه حتى إذا ما مثل بين يديه رأى منه الملك شيخا أقوى من الابن قليلا ينظر بعينين أكثر بريقا من عيني الابن ولا يعتمد في سيره إلا على عكازة واحدة، فسأله الملك عندما عرضت عليه القمحة لفحصها: "أتعرف أيها الشيخ أين تزرع مثل هذه القمحة ومتى زرعت وهل اشتريت ما يماثلها في زمنك؟، وقد كان العجوز أحسن سمعا من الابن، فأجاب على الفور: "لم أزرع ولم أحصد مطلقا مثل هذا القمح في حقلي، أما عن شرائي قمحا فلم يحصل في زمني لأن النقد كان غير مستعمل في عهدي وكان كل منا يزرع ما يحتاج إليه من الحنطة ويبادل على الحاجيات الأخرى بالقمح الزائد عن حاجته، فأنا لا أعلم أين كان يزرع مثل هذا القمح لأنني لم أر له مثيلا، وفي عهدنا كان القمح أكبر حجما وأوفر برا إلا أنه لم يكن بهذا الحجم، غير أنني سمعت من أبي أن قمح زمانهم كان أكبر حجما وأوفر برا من قمح زماننا، ويجدر بك أن تسأله في هذا الشأن، فبعث الملك في أثر والد هذا الشيخ وما لبث أن جاء ماشيا على قدميه لا يتوكأ على عكازة ولا عكازتين، وكان براق العينين يتكلم بوضوح بدو ثأثأة، وعندما ناوله الملك حبة القمح، بدأ يقلبها بين أصابعه وقال: "لقد طال العهد ولم أر قمحة من هذا الصنف"، ثم أخذ منها قطعة بثناياه وتذوقها وأضاف قائلا: "إنها بلا ريب من قمح ذلك الزمن"، فقال له الملك: "أخبرنا يا جد الجدود أين كان ينبت مثل هذا القمح؟، وهل اشتريت ما يماثله في عصرك؟، وهل زرعت ما يضارعه في حقلك؟"، فأجاب الشيخ: "إن مثل هذا القمح كان يزرع في كل مكان في عهدنا وقد نشأت عليه وزرعته بنفسي وحصدت منه بيدي طوال تلك الأزمان الغابرة"، فسأله الملك: "وهل اشتريت هذا القمح في زمنك؟"، فتبسم الشيخ وقال: " لم يفكر أحد من أبناء ذلك العصر في اقتراف مثل هذا الإثم، إذ كنا لا نعلم شيئا عن التعامل بالنقود، وكان كل إنسان يحتفظ بالقمح بقدر كفايته"، فقال الملك: " إذاً أخبرنا أيها الجد أين كان حقلك الذي كنت تزرع فيه هذا القمح؟"، فأجاب الشيخ: " كان حقلي أرض الله الواسعة، فحيث أحرث أزرع، وحيث زرعت أحصد، ما كان لإنسان حقل يدعي ملكيته، كانت الأرض مباحة للجميع ولا يملك الإنسان سوى عمله وكسب يده"، فقال الملك: "أجبني إذاً عن سؤالين آخرين، أولهما لماذا نما مثل هذا القمح في ذلك العهد ولم ينم في هذا الزمن؟، وثانيهما لماذا جاءني حفيدك يتوكأ على عكازتين وأبوه يتوكأ على عكازة واحدة، وأنت جئت تمشي بصحة جيدة، براق الثغر، ثابت الجأش، متلألئ العين، فصيح اللسان، فما السر في كل ذلك؟؟"، فأجاب الشيخ العجوز: " السر في ذلك أن الناس أصبحوا لا يعولون في حياتهم على العمل بأنفسهم، وإنما جنحوا إلى الاتكال والتطفل على عمل سواهم، كان الناس في زماننا يعيشون تحت ظلال شريعة الله، فكان أحدهم لا يحتكم إلا بما تجنيه يداه، ويرأب بنفسه أن يغتصب ما جناه غيره".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق