عدل ساعة في حكومة خير من عبادة ستين سنة

لطالما تساءلت مرارا  وتكرارا ووقفت مشدوها حائرا عن سبب جري مَن يعتبرون أنفسهم نخب المجتمع ومثقفيه وأعيانه جريا جنونيا محموما تستخدم فيه كل الوسائل حتى الساقطة منها، من أجل الظفر بمناصب المسؤولية لتدبير شؤون المجتمع ومشاكله الكثيرة والمتعددة والعسيرة أحيانا على الحل حتى بالنسبة للمنظرين الاقتصاديين والسياسيين الأكثر تفاؤلا في العالم، بينما تبدو بعض الفئات من هذه النخب في نفس الوقت غير قادرة وعاجزة تماما حتى على تدبير شؤون بيوتها وتنظيفها من روائحها العطنة، وتهذيب وتخليق شرذمة من نَسْلِها الفاسد التربية والسيء السمعة والخلق. 
غير أنني أعتقد بحكم ما طوته كتب التاريخ القديم والحديث من أحداث وتجاوزات جسام، وبحكم المعاينة الميدانية أن هؤلاء الأقوام مُصابون بمرض ليس باستطاعة أي جهاز طبي كشفه إسمه 'مرض السلطة'، وهو داء عضال قديم قِدَم البشرية، خطير لا نظير له، ولا شفاء يُرتجى منه مطلقا، وليس له إلا علاج واحد ووحيد ألا وهو المقابر.
إذ كيف يمكن تفسير  إقدام  الكثير من أبناء 'الفشوش' على اتخاذ شوارع العديد من المدن خاصة الدارالبيضاء ومراطش كحلبات للسباق  ليلا ونهارا بواسطة دراجاتهم التارية الكبيرة الحجم من فئة 125 و 150 سنتيمتر مكعب وما فوق، والتي يتراوح سعرها ما بين 5000 و 30000 دولار، مع  ما يرافق ذلك من ضجيج وإزعاج للناس وعدم احترام السرعة المحددة داخل المدارات الحضرية للمدن، علما أن بعض هؤلاء المتخلفين يقودون دراجاتهم النارية بسرعات جنونية تتروح ما بين 120 و 150 كلم/س، دون أن تحرك شرطة المرور أو الدرك ساكنا.
ويكفي أن يرجع أي مهتم إلى أرشيف الصحف المغربية كي يقف عن عدد لا يُستهان به من الجنح والتجاوزات الخطيرة التي يرتكبها 'أوليدات الفشوش' ونسلهم السيء السمعة بحق المجتمع تصل أحيانا إلى حد الجنح الجنائية التي يعاقب عليها القانون، غير أن الواقع المعاش يثبت خروجهم سالمين غانمين معافين كما تُسَلُّ الشعرة من العجين، مع العلم أن عدل ساعة في حكومة خير من عبادة ستين سنة.
والحق يُقال أن ظاهرة ترفع واستكبار 'الفشوش' وأبنائهم القليلو التربية والسيؤو الخلق عن بقية المجتمع وازدرائهم للعدالة والقضاء، وتهكمهم بمقدسات وعادات وأعراف المجتمع ليست ظاهرة فريدة ومعزولة زمانيا ومكانيا، لأن البعض من هؤلاء يظنون أن تبوئهم تلك المناصب يحصنهم ويجعل بينهم وبين المتابعات الإدارية والقضائية سدا منيعا يحول دون الوصول إليهم ومحاسبتهم من طرف السلطات حسابا عسيرا  كما هو جار به العمل في محاسبة المستضعفين، وتمنحهم إضافة إلى ذلك قضاء مآرب أخرى ليست في متناول عامة الناس.
وعندما يُصبح مثل هذا التسيب عادة متأصلة في الفشوش و'تريكتهم' الفاسدة فمن العادي جدا ومن الطبيعي أن يفقد المجتمع ثقته في السلطات، وأن يطلق هو أيضا الآخر الحبل على الغارب للاحتجاجات التي تصل أحيانا حد التهور والتجاوزات الخطيرة من أجل الحصول على البعض من حقوقه المسلوبة أو استرداد البعض من كرامته المهدورة، وتصبح تبعا لذلك القوانين مطاطية انتقائية كنسيج بيت العنكبوت تقع فيه الطيور الصغيرة فتُسْحق بداخله سحقا وتعصف به الطيور الكبيرة وتتركه هباء منثورا تدروه الرياح.
فالقانون هو القانون يبقى حبرا على ورق إذا لم يخضع له ويحترمه أولئك الذين يسهرون على تشريعه وتنفيذه بالدرجة الأولى، وعندما تختل هذه المعادلة ويصبح القانون مسلطا فقط على رقاب فئة معينة من المجتمع كسيف ديموقليطس، فإن ذلك يؤذن بفساد كبير يؤدي عاجلا أم آجلا إلى فوضى عارمة وعدم انضباط وامتثال للقوانين داخل المجتمع، لأن الأصل في الاستقرار والطمأنينة والسلم الاجتماعي هما العدل والعدالة الاجتماعية، وأن يسري القانون على الجميع من قمة الهرم حتى قاعدته دون تمييز أو كيل بمكاييل مختلفة ومتنوعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق