كيفما يَدِينُ المرء يُدَانُ قانون أزلي

كيفما يَدِينُ المرء يُدَانُ قانون أزلي
*مر بعض الملوك بأحد الحكماء فركله برجله وقال: قم ! فقام الحكيم غير خائف منه ولا ملتفت إليه،  فقال الملك بترفع واستعلاء: أما عرفتني ؟ قال الحكيم: بلى ! ولكن أرى فيك طبع الكلاب فهي تركل بأرجلها، فغضب الملك وقال: أتقول لي هذا وأنت عبدي، قال الحكيم: لا! بل أنت عبدي، قال الملك: وكيف ذلك؟ قال: لأن شهواتك مَلَكَتْكَ وأنا مَلَكْتُهَا، قال الملك: فإني الملك بن الملوك والأسياد، ولنا كذا وكذا ألف فيل، وكذا وكذا ألف مركوب، وأقبل يعدد عليه ما يملكه من العروض والجواهر والعقار، فقال الحكيم: أراك تفخر علي بما ليس من جنسك، وإنما سبيلك أن تفخر علي بنفسك، ولكن تعالى نخلع ثيابنا ونلبس جميعاً ثوباً من ماء في هذا اليم ثم نتكلم، وحينئذ سَيَتَبَيَّنُ الفَاضِلُ مِنَ الْمَفْضُولِ، فانصرف الملك خجلاً.
*قال سعيد بن العاص لابنه: اقتصد في مزاحك فالإفراط فيه يُذْهِبُ بِالبَهَاءِ، ويُجْرِِؤُ عليك السُّفَهَاءَ، وَتَرْكُهُ يَقْبِضُ الْمُؤانِسينَ ويُوحِشُ الْمُخالطينَ.
*قال رجل لغلامه: التمس لي داراً لا تكون بجوار مسجد فإني أحب الأفراح، فاكترى له داراً بين مسجدين. فقال له: ما هذا ؟! قال: يا مولاي، لا تدري المعنى، أهل هذا المسجد يظنونك في ذاك، وأهل ذاك يظنونك في هذا، وأنت قد ظفرت بما تحب.
*وقف أبو العيناء على باب إبراهيم بن رباح فقيل له: هو مشغول، فقال: إذا شُغِلَ بكأس يمناه، وبحر يسراه، وانْتَسَبَ إلى أبٍ لا يعرف أباه، لم يـَحْفَلْ بِحِجَابِ من أتاه.
*ادعى رجل النبوة في أيام المأمون، فأحضره المأمون وقال له: ما دليل نبوتك ؟ قال: أن أعلم ما انعقد عليه ضميرك، فقال: ما هو ؟ قال: في نفسك أصلحك االله أني كاذب؛ فضحك منه وتركه.
*أتى المعتصم رجل ادعى النبوة فقال: ما آيتك ؟ قال: آية موسى، قال: فألق عصاك تكن ثعباناً مبيناً ؟ قال: حتى تقول أنا ربكم الأعلى.
*مر عثمان بن حفص الثقفي بأبي نواس وقد خرج من علة وهو مصفر الوجه، وكان عثمان أقبح الناس وجهاً، فقال له عثمان: ما لي أراك مصفراً ؟ فقال أبو نواس: رأيتك فذكرت ذنوبي، قال عثمان بن حفص: وما ذكرك بذنوبك عند رؤيتي؟ فقال أبو نواس: خفت أن يعقابني االله فيمسخني قرداً مثلك.
*قال هشام بن عبد الملك يوماً في مجلسه: يعرف حمق الرجل بخصال أربع: بطول لحيته وشناعة كنيته، ونقش خاتمه، وإفراط شهوته، ثم رمى ببصره إلى رجل طويل اللحية في أقصى المجلس فدعا به، فقال: هذه واحدة، ثم سأله عن كنيته فقال: كنيتي أبو الياقوت الأحمر، فقال: وما نقش خاتمك ؟ قال: "وتفقّد الطير"، فقال: "ماليَ لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين".
*كان أحمد بن أبي طاهر قبيح الوجه، وكانت له جارية من أحسن النساء جمالا، فضحك إليها يوماً فَعَبَسَتْ في وجهه، فقال لها: أضحك في وجهك فَتَعْبَسِينَ في وجهي !! فقالت: نظرتَ أنت إلى ما سَرَّكَ فَضَحِكْتَ ونظرتُ أنا إلى ما سَاءَنِي فَعَبَسْتُ.
*سرق مدني قميصاً فبعثه مع ابنه ليبيعه، فَسُرِقَ منه في الطريق، فلما رجع قال أبوه: أبعت القميص؟ قال: نعم ! قال: بكم ؟ قال: برأس المال.
*مرض رجل فجاء أبو العبر يعوده وقد ثقل، فصاحت امرأته: من لي بعدك يا سيدي ؟ فغمزها أبو العبر وأومأ إليها أنا لك بعده، فلما مات الرجل وانقضت عدتها تزوجها أبو العبر، فأقامت عنده حيناً من الدهر ثم حضرت أبا العبر الوفاة، فجاء عُوَّادُهُ، فصاحت من لي بعدك يا سيدي ؟ ففتح عينيه وقال: لا يغمزها إلا من تكون أمه زانية.
*بعث بعض ولد عيسى بن جعفر إلى جماعة من المخنثين فأتوه، فجعلوا يلعبون ويرقصون، وبقي مخنث منهم لا يتحرك، فقال: ما لك ؟ قال: لا أحسن شيئاً، قال: فلم دخلت يابن الفاعلة ؟ يا غلام ائتني بإناء مملوء روثاً وآخر  مملوء جمراً، فأتاه بهما، فقال: والله لتأكلن من أحدهما أو لأضربنك حتى تموت، قال: يا مولاي؛ دعني أصلي ركعتين، قال: قم فصل، فقام المخنث يصلي فأطال، فقال له: يابن الفاعلة، إلى كم تصلي؟ قد صليت أكثر من عشرين ركعة ! فقال المخنث: يا سيدي، أنا دائب أدعو االله أن يمسخني نعامةً فأقوى على أكل الجمر، أو ختريراً فأقوى على أكل الخرا، فلم يستجب لي بعد، فدعني أصلي وأدعو، فلعله يستجاب لي، فضحك منه ووصله.
*قال الهيثم بن عدي: سمعت أعرابياً يقول: دخلت حضرتكم بعد عيد الأضحى، فإذا أنا بجمع عظيم عليهم أنواع الثياب من بيض وحمر وصفر، فكأنها زهر البستان، فقلت في نفسي: هذا العيد الذي يذكر أصحابنا الحضر يتزينون فيه، ثم رجعت إلى عقلي فقلت: وأي عيد هو؟ وقد خرجت بعد الأضحى، فبينما أنا باهت أفكر في أمري إذ أخذ بيدي رجل منهم، فقال: ادخل يا أعرابي، فدخلت فإذا بمجلس منضد بالنضائد، موسد بالوسائد، وفي صدره سرير، وعليه رجل جالس، والناس صموت عن يمينه وشماله، فقلت في نفسي: هذا الخليفة الذي يذكرون، فقبلت الأرض وقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة االله وبركاته، فقيل لي: اسكت يا أعرابي، هذا عروس ونحن في عرسه، فَهُيِّىءَ لي موضع في المجلس، فجلست فيه،  فَقُدِّمَتْ مدورات من خشب عليها ثياب متلاحمة النسج، فهممت أن أسند في ثوب منها أرقع به إزاري. فقيل لي: مد يدك يا أعرابي وكل، فإذا هو ضرب من الخبز لا أعرفه، ثم قُدِّمَتْ أنواع من الطعام حلوة وحامضة وحارة وباردة، فأكلت، ثم أُوتِيَ بأوان فيها ماء أحمر فجعلوا يصبون في أقداح ويشربون، فناولوني منه قدحاً، فقلت: أخاف أن يقتلني، فقالوا: يا أعرابي، إنه يهضم ما في بطنك، فشربته فحدث في قلبي طرب لا أعرفه، وهممت أن أهشم الذي بجانبي، وأن أقول للآخر يابن الزانية! فأقبلوا يسألون رجلاً، ويقولون: أمتعنا بنفسك، فأتى بأشياء لها رأسان مشدودان بالخيوط المحصدة، فأقبل يضرب رأسه، فيخرج منها رعد كهزيم الرعد وزئير الأسد، وأخرج رجل من كمه شيئاً  كفيشلة (حشفة) الحمار، فأقبل يردد عليه به، وأقبل آخر ينتخ حتى كبح به الأرض، فقلت: مجنون ورب الكعبة !! ثم أقبلوا يضرعون إلى آخر ويرغبون إليه، فأتاهم بدابة من خشب عينها في صدرها، إذا فتلت أذنها تكلم فوهها، فطرب كل من حضر وَطَرِبْتُ حتى تَقَدَّمْتُ إليه وقلت: يا سيدي، ما هذه الدابة ؟ فقال: يا أعرابي، هذه يقال لها البربط(آلة العود)، فقلت: آمنت باالله وبالبربط، ثم سقوني قدحاً آخر، فأخذتني نومة لم يوقظني منها إلا حر الشمس من الغد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق