لا يجوز لك أبدًا أن تظل هنا أكثر مما ينبغي، كن من البعد بحيث لا يكون باستطاعتهم أن يجدوك، أن يمسكوا بك لِيُشَكِّلُوكَ، لِيُقَوْلِبُوكَ، كن بعيدًا جدِّا، كالجبال، كالهواء غير الملوث، كن من البعد بحيث لا يكون لك أهل ولا علاقات ولا أسرة ولا وطن، كن من البعد بحيث لا تعرف حتى أين أنت، إياك أن تدعهم يعثرون عليك، إياك أن تحتك بهم احتكاكًا ألصق مما ينبغي، ابق بعيدًا جدِّا بحيث لا تقدر حتى أنت أن تجد نفسك، حافظْ على مسافة لا يُستطاع اجتيازُها أبدًا، حافظْ على ممر مفتوح دومًا لا يستطيع أحد أن يأتي عبره، إياك أن تغلق الباب، إذ لا باب أصلا، بل مَمَرٌّ مفتوحٌ وحسب، لا نهاية له، إذا أغلقت أي بابٍ سيكونون قريبين جدِّا منك، وإذ ذاك فأنت ضَائِعٌ لا محالة.
ابق بعيدًا جدِّا حيث لا تبلغك أنفاسُهم، وأنفاسُهم تسافر بعيدًا جدِّا وعميقًا جدِّا، إياك أن تدع عدواهم تصيبك، عدوى كلامهم، إيماءاتهم، معرفتهم العظيمة، عندهم معرفة عظيمة، لكن كن بعيدًا جدِّا عنهم بحيث حتى أنت لا تقدر أن تجد نفسك، إذ إنهم ينتظرونك، عند كل زاوية، في كل بيت، ليشكِّلُوكَ، ليُقَوْلِبُوكَ، ليقطِّعُوكَ إرَبًا، ثم يعيدون تجميعك على صورتهم، معبوداتهم الصغيرة والكبيرة هي صورة عن أنفسهم، نحتَها ذهنهم أو نحتَتْها أيديهم.
إنهما بانتظارك: رجل الدين والشيوعي، المؤمن والملحد، وكلاهما سيان، إنهما يظنان أنهما مختلفان، لكنهما ليسا كذلك، فكلاهما يغسل دماغك، حتى تصير منهم، حتى تكرر كلماتهم، حتى تتعبد لقديسيهم القدماء منهم والْمُحْدَثين، عندهم جيوش تذود عن معبوداتهم وعن أوطانهم، وهم خبراء في القتل، ابق بعيدًا جدِّا.
إنهما بانتظارك: رجل الدين والشيوعي، المؤمن والملحد، وكلاهما سيان، إنهما يظنان أنهما مختلفان، لكنهما ليسا كذلك، فكلاهما يغسل دماغك، حتى تصير منهم، حتى تكرر كلماتهم، حتى تتعبد لقديسيهم القدماء منهم والْمُحْدَثين، عندهم جيوش تذود عن معبوداتهم وعن أوطانهم، وهم خبراء في القتل، ابق بعيدًا جدِّا.
إنهما بانتظارك: المربي ورجل الأعمال، أحدهما يروِّضك من أجل الآخر لتنصاع لمتطلبات مجتمعهما، وهو شيء مـُمِيتٌ، عندهما شيئان إسمهما المجتمع والأسرة، هذان هما إلاههما الحقيقيان، الشبكة التي ستعلق فيها، سيجعلان منك عالِمًا، مهندسًا، خبيرا في كل شيءٍ تقريبًا، من المطبخ إلى المعمار إلى الفلسفة، ابق بعيدًا، بعيدًا جدِّا.
إنهما بانتظارك: السياسي والمصلح، الأول يجرُّك إلى القاع حتى البالوعة (قاع الخابية بالمصطلح المغربي)، وعندئذ يصلحك الثاني، إنهما يتلاعبان بالكلمات، ولسوف تتوه في قَفْرهما، ابق بعيدًا جدِّا.
إنهما بانتظارك: الخبير في الله ورامي القنابل، أحدهما سيهديك والآخر يدلك كيف تقتل، وما أكثر الطرق للاهتداء إلى الله، وما أكثر طرق القتل، ما أكثرها !!.
ولكن إلى جانب هؤلاء جميعًا، هناك جحافل من الآخرين لتلقينك ما تفعل وما لا تفعل، ابق بعيدًا عنهم جميعًا، بعيدًا إلى حدٍّ ألا تقدر أن تجد نفسك ولا أحدًا سواك، أنت أيضًا تود أن تلعب مع جميع هؤلاء الذين ينتظرونك، لكن اللعبة تغدو عندئذٍ من التعقيد والتسلية بحيث تضيّعك.. لا يجوز لك أبدًا أن تظل هنا أكثر مما ينبغي، كن من البعد بحيث لا تقدر حتى أنت أن تجد نفسك.
من النصائح القيمة للكاتب الفيلسوف الهندي كريشنامورتي