من المستحيل أن تنهض أمة باعتمادها على مهن السخرة والعبودية

"الإِسْلاَمُ يَعْلُو وَلاَ يُعْلَى عَلَيْهِ، والمسلم الحقيقي هو من لا يرضى ولا يقبل لنفسه ولأمته مطلقا الإهانة والذل والانبطاح لليهود والنصارى" المدون
من المستحيل أن تنهض أمة  باعتمادها على مهن السخرة والعبودية
يعتبر الشاعر المغربي المبدع الأصيل الأستاذ محمد الحلوي رحمه الله (1922-2004)، في حقيقة الأمر إسم على مسمى لعذوبة لحنه، وروعة أسلوبه، وسحر بيانه، وإشراقة معانيه، وجميع قصائده تعتبر غاية في الروعة والجمال دون أن تخل بالالتزام بقواعد النحو والصرف والبلاغة وموازين الشعر وقوافيه، وأي قارئ ألقى نظرة متأنية على قصائد هذا الشاعر الكبير إلا وتركت في وجدانه أثرا بليغا وذكرى طيبة، لما تفيض به من عواطف جياشة، وألحان عذبة وعبارات متوهجة، ففي قصيدة لولاهما يصرخ هذا الرجل الحر الأبي مستنهضا الهمم، التي خارت وصارت قاب قوسين أو أدنى من الموت السريري :
بِالسَّيْفِ  وَالْقَلَمِ   الْبَلِيغِ    تَقَدَّمَتْ       أُمَمٌ    وَمَدَّتْ    لِلْمَعَالِي   سُلَّمَا
فَهُمَا  الْعِمَادُ  لِمَنْ  يُشِيدُ   مَجْدَهُ       وَيَصُونُ مِيرَاثَ الْجُدُودِ هُمَا  هُمَا
لَوْلاَهُمَا   لَمْ   تُبْنَ  أَيُّ  حَضَارَةٍ        وَلَمَا   اسْتَقَامَتْ   دَوْلَةٌ  لَوْلاَهُمَا
وَبِغَيْرِ   نَابٍ   لاَ   تَعِيشُ   بِغَابَةٍ        إِنْ  لَمْ  تَكُنْ فِي سَاكِنِيهَا ضَيْغَمَا
مَنْ  لَمْ  يُدَعِّمْ   بِالْقَنَا  مَا  شَادَهُ        بِالْعِلْمِ   أَوْشَكَ  أَنْ  يَرَاهُ  مُهَدَّمَا
كي يضع النقط على الحروف وليبرهن على أن تقدم الأمم لا يـتأتى من مهن السخرة والعبودية ولعق أحذية اليهود والنصارى ( أو ما يسمى في العصر الراهن بمهن السياحة والزندقة)، بل يتأتى عن طريق الإعداد الجيد للشعوب بمهن القوة والحديد والحرب، وجميع العلوم المادية على اختلافها وتنوعها، لأن من سنن الجماعات البشرية  منذ فجر التاريخ ذلك الصراع الأبدي بين الحق والباطل وبين القوة والضعف، وأن الاستكانة والطيبوبة والكرم الزائدة عن اللازم تورث المذلة واستحقار الغير، ولن تنفع المسلمين كل سبحات العالم  لصد أعدائهم عن العدوان عليهم، وإحلال مكان لهم تحت الشمس بعزة وكرامة، فلكل فعل ردة فعل، وتلك سنة الله في الخلق ولن تجد لسنة الله تبديلا،  لذلك كان أمر الله لعباده المؤمنين قويا صادحا مباشرا في سورة الأنفال آية 60 عندما قال عز من قائل: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ، وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ":
وخير ما أختم به هذه المقالة هي قصيدة "دعاء" الرائعة التي اقتبستها عن ديوان شعر محمد الحلوي "أوراق الخريف"، التي أبان فيها عن علو كعبه، وطول باعه، وشاعريته المتميزة التي جابت أقطاب العالم العربي والإسلامي، فرحم الله محمد الحلوي وأسكنه فسيح جنانه: