العولمة أو الأمركة هي الإرهاب الحقيقي وأدواتها هم المثقفون المرتزقة

"العولمة هي رؤية غربية للسيطرة على العالم الغير اليهودي مسيحي، تلك السيطرة التي يريد الغرب أن يفرضها على دول العالم الثالث بشكل تصير فيه هذه الدول مسلوبة حضاريا وتابعة اقتصاديا، ويُقصد منها السيطرة الاقتصادية والغزو الثقافي وفرض القيم الغربية على الشعوب الأخرى" 
المهدي المنجرة رحمه الله
العولمة أو الأمركة هي الإرهاب الحقيقي وأدواتها هم المثقفون المرتزقة
هذا الحوار عن المعنى الحقيقي للعولمة الذي أجرته جريدة العلم المغربية بتاريخ 24 يناير 1999 مع عالم المستقبليات المهدي المنجرة رحمه الله، يفضح الأهداف الخبيثة المبيتة للولايات المتحدة الأمريكية قصد إخضاع واستعباد الشعوب المستضعفة، مستعملة في ذلك أقنعة التواصل والانفتاح والدعاية من خلال ترسانتها الإعلامية الجهنمية، وَمُلَوِّحَةً لكل من تسول له نفسه الاعتراض على مشروعها العلماني الحداثي بأسلحة القوة العسكرية والضغط الاقتصادي.
إن العولمة هي الدين الذي بشر به (النبي) الجديد الولايات المتحدة الأمريكية لخلاص دول الجنوب من الجهل والفقر والتهميش كما تدعي، وفتح آفاق أوسع وأرحب أمامها من الحرية لم يبشر بها نبي من ذي قبل، ابتداء من حرية الأسواق الليبرالية المتوحشة بلا حدود ولا ضوابط، وانتهاء بحرية الشواذ والسحاقيات والبغايا والمنحرفين بكل أصنافهم بلا حدود ولا ضوابط كذلك:
سؤال: ما التفسير الذي يمكن تقديمه للعولمة كمفهوم اجتاح المجتمعات؟
المهدي المنجرة: المقصود بالعولمة هو الاستعمار الجديد الشمولي، استعمار بدون لون وبدون راية وبدون جواز، تقف وراءه الولايات المتحدة الأمريكية التي تهدف إلى تشتيت مجتمعات العالم الثالث أكثر مما هي مشتتة، والعولمة على عكس ما تنادي به من انفتاح هي الانكماش الحقيقي، لأنها تسعى إلى تطويق حركة الآخر بتوجيهات كيان واحد هو الولايات المتحدة الأمريكية، ومن تم فإن العولمة في واقع الأمر هي الأمركة وما دون هذا المفهوم يعد تزييفا وخداعا حتى يتسنى للعولمة تحقيق مآربها المرتبطة في الحقيقة بالأخلاق وليس بالاقتصاد كما يُدَّعَى، فالحضارات اليهودية-المسيحية ترمي من وراء العولمة إلى فرض قيمها وأخلاقياتها وأسلوب حياتها على الحضارات غير اليهودية وغير المسيحية كحضارة عالمنا الإسلامي، وما الاقتصاد إلا واجهة لإخفاء المأرب الحقيقي للعولمة الكامن في النفوذ إلى حياة المجتمعات لاستمرار بسط الهيمنة والتحكم.
سؤال: مجتمع كمجتمعنا، هاجسه الأول والأخير البحث عن الخبز، ينتمي إلى دول الجنوب، ويحمل بين طياته مفهوم الهامش، كيف له أن يتعامل مع ظاهرة العولمة، وكيف له مواكبة ركبها وهي تعد قمة التطور الحالي وتتطلب بنيات قوية فكريا وصلبة ماديا؟
المهدي المنجرة: منذ أن عانقت البشرية مفاهيم التطور وهي تتحرك صوب التقدم العلمي والإنساني والتكنولوجي، فالتطور ليس هو المشكل في الأساس، لأن السرعة التي يعرفها التقدم في ظل العولمة هي التي تخلق لدى مجتمعات دول الجنوب عدم القدرة على مجارات الركب السريع – إن لم نقل الصاروخي – الذي يميز عالم اليوم، لأن دول الجنوب لم تهضم بعد حتى إمكانياتها الهزيلة، الشيء الذي يخلق الفجوة بين إمكانياتها البسيطة وما تفرضه عليها العولمة من تطور مستمر.
سؤال: إذن يمكن القول بأن السرعة التي تجتاح بها العولمة العالم، قد تتسبب في إحداث خلل المجتمعات الضعيفة على مستوى المسار التنموي، أي أن هذه المجتمعات ستعرف عدم التوازن بين زحفها البطيء نحو التنمية –الذي يوافق ظروفها-والتطور المكوكي للمجتمعات المتقدمة من حولها.
المهدي المنجرة: هذا أكيد، لأن مجتمعات دول الجنوب ستعيش فجوات عميقة يصعب لحمها، وهذه الفجوات ستكون نتاج انعدام التوافق بين إمكانيات دول الجنوب ودول الشمال، كما ستتسبب في عملية عسر هضم لقانون التطور الحالي الذي يخدم مصالح الشمال ويبعد أهل الجنوب حتى عن السير في طريق النمو، إذ كلما ازدادت سرعة تطور العالم، تعمقت الفجوات بمجتمعات دول الجنوب وتجذرت الأزمات أكثر فأكثر واستمر عسر الهضم لديها.
سؤال: هل العولمة ستعمق حدة التوتر والتناقض بين من يملك ومن لا يملك داخل المجتمع الواحد، وبالتالي ستساهم في تعميق الهوة بين المؤهلات العلمية والثقافية والمادية... للأفراد؟
المهدي المنجرة: التناقض والتوتر بين من يملك ومن لا يملك هو تحصيل حاصل في مجتمعاتنا، لذلك وفضلا عن تكريس وتعميق العولمة لإشكالية التفاوتات الطبقية وما يترتب عنها من فروق وصراعات، فإنها ستكرس شيئا آخر حيث جاء على لسان الوزير الأول الإيراني أن العولمة ستخلق الصراع بين من يعرف ومن لا يعرف، وهذا الصراع سيؤدي إلى أزمة بل إلى أزمات بين أهل المعرفة ومن لا علاقة لهم بها.
سؤال: هل يجوز الحديث عن التأثيرات النفسية لظاهرة العولمة، باعتبار أن لكل ظاهرة انعكاسات مادية ومعنوية؟
المهدي المنجرة: فضلا عن أزمات العولمة ذات الطبيعة المادية هناك تأثيرات تمس الجانب النفسي أو البسيكولوجي لشعوب العالم الثالث، فهي السبب في عدم وجود رؤيا مستقبلية لدى هذه الشعوب لأنها لم تعد تستطيع أن تحلم ولا تمتلك أحلاما على أساسها تبني مستقبلها، إذ تم اقتلاع مرجعياتها وجذورها واستبدالها بأحلام لا تخصها وهذا ما نسميه بالاستلاب والانسلاخ الذي تعانيه شعوب العالم الثالث بما فيه عالمنا العربي والإسلامي، وقد لعب الإعلام دورا فعالا ودقيقا في ترويج دعاية العولمة التي تعد رؤيا لتحقيق الهيمنة باستغلال التطور التكنولوجي-الإعلامي ووسائل الاتصال والتأثير والتوجيه، الشيء الذي جعل العالم يعيش في كنف حرب نفسية زرعتها ما روجته الولايات المتحدة الأمريكية بمعية العالم الغربي من أفكار مغلفة وملغمة حول العولمة وحول أي أكذوبة أرادت أن تهيمن بها على العالم، وكذا الحملات الدعائية التي تقوم بها وسائل الإعلام الموجهة نحو تحقيق أهداف إيديولوجية، وتوجيه الرأي العام والتأثير عليه بالمفاهيم التي تخدم مصالح العالم الغربي وتجعل من العالم قرية صغيرة، بل قرية تحت رحمة العملاق.
سؤال: هل يمكن اعتبار العولمة نوعا من أنواع الإرهاب؟
المهدي المنجرة: مما لا شك فيه، فالعولمة اصطلاح يرادف الأمركة وما دام يرادفها فهو من سلالة الاستعمار ومن جنس الإرهاب، وليست العولمة كما يدعون هي التواصل والانفتاح لأنه ومنذ أقدم الحضارات والشعوب في تواصل وعلاقة دائمين، ولا أحد ضد الحداثة والانفتاح والتطور، لكن ما تقول به العولمة وتنادي به هو الانكماش الحقيقي لأن مبتدعي هذه الاستراتيجية يسعون إلى شل أدنى حركة تفكير لدى الشعوب وبالتالي جعلهم يفكرون بمنطق هؤلاء ويتبعون نمطهم في الحياة، فهل هو الانفتاح؟ وما دامت هذه الايديولوجيات تعد استراتيجية جديدة للغزو تشنها الولايات المتحدة الأمريكية، فالعولمة إذن تعتبر الاستعمار الجديد لمرحلة ما بعد الليبرالية، وبما أن هذا الاستعمار ذو مخطط أمريكي، فمن البديهي أن تعدو العولمة إرهابا لأن الدولة التي خططت للعولمة (أي الولايات المتحدة الأمريكية) تعد الدولة الإرهابية الأولى في العالم وتليها 'إسرائيل'.
سؤال: كيف تسللت العولمة إلى مجتمعاتنا؟
المهدي المنجرة: كان للإعلام الدور الأساسي والمباشر في نفاذ العولمة إلى مجتمعات دول الجنوب عن طريق الغزو الإعلامي وما رسبه من أفكار دعائية عن العالم الغربي، الشيء الذي أدى إلى تفشي ظاهرة الاستلاب الفكري والانسلاخ الثقافي واستبدال ثقافتنا وأفكارنا بأفكار وثقافة الغير، وللأسف ساهم إعلام هذه الشعوب في تكريس هذه الظاهرة، هذا من جهة، من جهة أخرى فإن العولمة تم تحضيرها مع بعض رؤساء حكومات العالم الثالث والطبقات المستغلة لاستقلال بلدانها، وكذا بعض النخب الثقافية المرتزقة التي مهدت وسهلت عملية اختراق العولمة لمجتمعاتنا حتى تحمي نفسها ومصالحها على حساب شعوبها.
سؤال: أكد فيديل كاسترو في آخر خطاب له وجهه إلى شعبه أن العولمة ستقود العالم إلى أزمات اقتصادية لا مخرج منها، هل تتفقون مع هذا الطرح؟
المهدي المنجرة: هذا صحيح، فالعولمة لم تولد أزمات اقتصادية فحسب بل هي خراب الشعوب على جميع المستويات الاقتصادية والديمقراطية والثقافية...لأنها سياسة استعمارية تهدف إلى الحفاظ على مصالح مبتدعيها على حساب تعميق أزمات شعوب العالم الثالث عن طريق الضغط العسكري والاقتصادي وفرض أساليب الحكم بهذه المجتمعات، وكذا عن طريق الشركات المتعددة الجنسية التي انخفض وتقلص أمامها دور الدول والحكومات لما تملكه من مال وسلطة تفوق سلط الدول المتواجدة فوق أرضها.
سؤال: ما الذي قدمته العولمة لمجتمعات العالم الثالث إذن؟
المهدي المنجرة: نجحت العولمة في شيء واحد: هو تفتيت وتشتيت 'شبه الوحدة' بين دول العالم الثالث، فمنذ مؤتمر باندونغ Bandoeng بإندونيسيا سنة 1955 الذي يعد أصل ميلاد حركة عدم الانحياز المتبلورة بمؤتمر بريوني Brioni بيوغوسلافيا في يوليو 1956 والتي هدفت إلى محاربة الاستعمار ومساندة القوى المتطلعة إلى التحرر والمحافظة على الهوية الوطنية، سعت دول العالم الثالث إلى تحقيق الوحدة بين صفوفها، الشيء الذي أفزع الغرب ففكر في تفريق هذه الصفوف، وجاء الشتات على يد العولمة التي نحياها اليوم والتي أفرزت –كما كنت قد توقعت- الحرب الحضارية ضد العراق سواء من خلال عاصفة الصحراء أو عبر ثعلب الصحراء.
سؤال: ما مصير الثقافات الوطنية لمجتمعات 'دول الهامش' في زمن تحديات العولمة؟
المهدي المنجرة: مصير ثقافاتنا الوطنية رهين بتطهير أجوائها من المثقفين المرتزقة وبدحر كل ما هو دخيل على أفكارنا حتى نبني لشعوبنا أرضية ثقافية قوامها الأمانة في العمل الفكري لتنعتق من الاستلاب الفكري والانسلاخ الثقافي.
سؤال: أي تصور مستقبلي يمكن توقعه لمجتمعات دول الجنوب بعد أن غزتها العولمة؟
المهدي المنجرة: إذا كان القرن الحالي قرن الماديات فإن 'مالرو' تنبأ بأن القرن الحادي والعشرين سيكون قرن الروحانيات، وكل من هو غير يهودي-مسيحي سيتمكن من التأقلم مع المفاهيم الروحانية، لأن العديد من المؤمنين بالعالم كالمسلمين والبوذيين لم يلغوا من حياتهم اليومية تخصيص بعض الفترات لإشباع حاجاتهم الروحانية، لأن قيمة المرء في الروح وليس في المادة كما يعتقد الغرب، وعلى مستوى الحروب، إذا كانت العولمة قد تسببت في الحرب الحضارية التي يشهدها العالم اليوم والتي تعد حرب الخليج (عاصفة الصحراء وضربة ثعلب الصحراء) جزءا من مسلسلها، فنحن نتوقع حربا جديدة 'الحرب السيمانتيكية' أي حرب المفردات، فمن فرض لغته عليك فقد فرض نفسه، كما ستعرف العولمة صراعا داخل الغرب وتحديدا من لدن الدول الأوروبية التي ترفض أن تكون تابعا أو أن تلفها خيوط الأمركة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق