تلكم الأيام

تلكم الأيام

اجتمع كُرْدِيٌّ مع أمير على مائدة عليها حجلتان مشويتان، فأخذ الكردي واحدة وضحك، فسأل الأمير عن سبب ضحكه، فقال الكردي: قطعت الطريق مرة على تاجر فلما أردت قتله تضرع إلي فلم أقبل منه تضرعه، فلما رأى مني الجد التفت فرأى حجلتين على جبل فقال لهما اشهدا لي عليه إنه قاتلي ظلما.. ثم قتلته، فلما رأيتُ هاتين الحجلتين تذكرت حمقه في استشهادهما علي فَضَحِكْتُ، فلما سمع الأمير ذلك قال والله قد شهدا عليك عند من يعلم الجهر وما يخفى، فأمر بأن يُضْرَبَ عُنُقه.

اشترى بخيل إبريقا وصحنا وقال للفخاري اكتب لي عليهما، فقال له وماذا تريد أن أكتب؟ وكان أحد الظرفاء واقفا بالقرب فقال: اكتب له على الإبريق 'فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي' واكتب له على الصحن 'وَمَنْ لَمْ يُطْعِمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي'، فقال البخيل: نعم أصلحك الله.

كان رجل مجنون إذا مر في الأسواق يعبث به الكبار ويسخرون منه ثم يتبعهم الصغار ليرجموه بالحجارة، فمر به أمير وعلى رأسه خوذة بقرون طوال، فتعلق ذلك المجنون بالقرون وراح يستغيث به ويقول: يا ذو القرنين خلصني من قوم ياجوج وماجوج.

خرج صبي صغير من الكتاب فلقي أبا العلاء المعري وقال له ألست أنت القائل في شعرك:

وَإنِّي وَإِنْ كُنْتُ الأَخِيرَ زَمَانُهُ      لآتِ بِمَا لَمْ تَسْتَطِعْهُ الأَوَائِلُ
فقال أبو العلاء نعم أنا القائل ذلك، فقال الصبي إن الأوائل قد أتوا بحروف الهجاء تمانية وعشرين حرفا، كل حرف لا بد في الكلام منه ويختل بدونه، فهل يمكنك أن تزيد عليها حرفا يحتاج إليه الناس في الكلام كبقية الحروف، وينتظم الكلام به فتكون قد أتيت بما لم تأته الأوائل؟ فَبُهِتَ أبو العلاء المعري وبقي صامتا ولم يعرف كيف يُجِيبُ، ومَرَّتْ أيام الله متتالية، فسأل أبو العلاء المعري عن الصبي، فقيل له لقد مات، فقال أبو العلاء المعري قولته الشهيرة: قَتَلَهُ ذَكَاؤُهُ.

لما كان أبو الطيب المتنبي راجعا من بلاد فارس إلى بغداد بجائزة أجازه بها عضد الدولة ومعه جماعة من الفرسان، خرج عليه قطاع الطريق، فهرب المتنبي منهم، فقال له غلامه أتهرب! وأنت القائل في شعرك:

الْخَيْلُ   وَاللَّيْلُ   وَالْبَيْدَاءُ   تَعْرِفُنِي      وَالسَّيْفُ وَالرُّمْحُ وَالْقِرْطَاسُ وَالْقَلَمُ
فَكَرَّ راجعا فَقُتِلَ سنة 354 هـ، فكان ذلك البيت سببا لقتله، ولذلك اسْتُحْسِن قول الخطائي في العزلة:
أَنِسْتُ بِوَحْدَتِي وَلَزِمْتُ بَيْتِي      فَدَامَ الأُنْسُ لِي وَنَمَا السُّرُورُ
وَأَدَّبَنِي   الزَّمَانُ   فَلاَ   أُبَالِي     هُجِرْتُ فَلاَ  أُزَارُ  وَلاَ  أَزُورُ
وَلَسْتُ  بِسَائِلٍ مَا دُمْتُ حَيّاً      أَسَارَ الْخَيْلُ  أَمْ رَكِبَ الأَمِيرُ

القبل خمس: قبلة رحمة وهي قبلة الولد، وقبلة تكرمة وهي قبلة رأس الوالد، وقبلة إجلال وهي قبلة يد السلطان، وقبلة تعبد وهي قبلة الحجر الأسود، وقبلة شهوة وهي قبلة النساء. والسكر خمس: سكر الشراب، وسكر الشباب، وسكر المال، وسكر الهوى، وسكر السلطان. وسبعة لا بقاء لها: ظل الغمام، وسطوة العوام، وخِلَّةُ الأيام، وعشق النساء، والثناء الكاذب، والمال من الإرث أو السلطان. وتسعة أشياء ضائعة لا محالة: سلم في صحراء، وسراج في شمس، وقُفل على خربة، وخضاب لشاب، وطاؤوس في مزبلة، وحسناء مع أعمى، ووشوشة الأطرش، وعدل العاشق، وفعل الخير مع اللئام. ومدار الدنيا على تسع دالات: دين ودنيا ودولة ودينار ودرهم ودار ودابة ودسم ورغيف.

دخل إبليس يوما على فرعون فقال له أتعرفني؟ قال: نعم، فقال إبليس: إنك قد فُقْتَ عَلَيَّ بِخِصْلَةٍ واحدةٍ، فقال فرعون: وما هي؟ قال إبليس: جُرْأَتُكَ على الله بدعوى الربوبية، فإني أكبر منك سنا وأكثر منك علما وأعظم منك قوة ولم أتجاسر على ذلك، فقال فرعون: صدقت، ولكنني أثوب عنها، فقال إبليس: مهلا، لا تفعل ذلك فإن أهل مصر قد قبلوك بالربوبية، فإذا رجعت عنها أدبروا عنك وأقبلوا على عدوك وسلبوا ملكك فتصير ذليلا، قال فرعون: صدقت، ولكن هل تعلم على وجه الأرض أخبث منا؟ قال إبليس: نعم، من اعْتُذِرَ إليه فلم يقبل فهو أشر مني ومنك.

أتى ملك الموت أحد الملوك من ملوك العادية في الزمن الأول ليقبض روحه، فقال له: من أنت؟ فقال: أنا ملك الموت جئت لأقبض روحك، فقال الملك: أسألك أن تمهلني سبعة أعوام لأستعد للموت، فأوحى الله إليه قُلْ له قد أمهلتك ذلك، فحدثه ملك الموت وخرج من عنده، فأمر الملك أن يشيد له حصن وثيق وعمل وراءه سبع خنادق، وجعل حوائط من الحجارة وجعل عليه بابا من الحديد والرصاص، وجعل له في ذلك الحصن قصرا عظيما يتحصن فيه من الموت، وقال لبوابيه وحجابه لا تتركوا أحدا يدخل علي أبدا.

انتهت سبع سنوات فدخل عليه ملك الموت، فلما رآه قال له: من أين جئت ومن أين دخلت ومن أدخلك؟ فقال ملك الموت: أدخلني صاحب الدار، فدعا الملك حجابه وبوابيه وقال لهم لما تركتم هذا حتى دخل علي، فحلفوا له أنهم لم يروا أحدا يدخل وكل الأبواب كانت موصدة والمفاتيح محفوظة، فقال له ملك الموت: إن صاحب الدار لا يحتاج إلى حائط ولا يَمْنَعُ رُسُلَهُ جدران ولا أسوار ولا خنادق، فقال له الملك: فماذا مرادك يا هذا؟ قال ملك الموت: جئت كي أقبض روحك، رد الملك: ولا بد من ذلك؟ قال: نعم، قال الملك: وإلى أين أذهب إذا قبضت روحي؟ قال ملك الموت: إلى البيت الذي بنيته والمهد الذي مهدته لنفسك، فقال الملك: إني ما بنيت لنفسي بيتا، قال ملك الموت: بلى، قال الملك: وأين البيت؟ أجاب ملك الموت: في لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى، ثم قبض روحه ومضى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق