كلمة دو لامارتين شاعر فرنسا الكبير بحق الرسول الأكرم محمد بن عبدالله (ص)

"إن أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد دراسة وافية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود" ألفونس دو لامارتين
كلمة دي لامارتين شاعر فرنسا الكبير بحق الرسول الأكرم محمد بن عبدالله (ص)
ألفونس دو لامارتين Alphonse de Lamartine (1790-1869) شاعر الحب والجمال والرومانسية الصوفية، الصادق المخلص في أشعاره، سيد شعراء فرنسا ونجمهم الساطع وأكبر روائييهم وساستهم، داعية السلم والوئام بين الشعوب والأمم، الذي لم يكن قط في يوم من الأيام متعصبا لديانته أو قوميته أو طبقة النبلاء التي انتمى إليها، ولم يكن في يوم من الأيام بوقا للحروب والمشاحنات والمخاصمات والعداء، وليس ذلك بغريب عمن يقول: "أنا ابن الإنسانية قبل أن أكون ابن فرنسا، ولتهلك أمتي إذا كان في هلاكها حياة الإنسانية"، صاحب الروائع والبدائع المسكوبة في "الروح الإنسانية" "تاريخ روسيا"، "تأملات شعرية"، "البحيرة"، "موت سقراط"، "سقوط ملاك"، "رحلة إلى الشرق"، "جوسلين"، "خشوع شعري" وغيرها، لما تحدث عن الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام أجاد وأبدع فقال:
إن أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد دراسة وافية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود، وأي رجل أدرك من العظمة الإنسانية مثلما أدرك محمد، وأي إنسان بلغ من مراتب الكمال مثل ما بلغ، لقد هدم الرسول المعتقدات الباطلة التي تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق، فمن ذا الذي يجرؤ من الناحية البشرية على تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد؟ و من هو الرجل الذي ظهر أعظم منه عند النظر إلى جميع المقاييس التي تُقاس بها عظمة الإنسان؟
أترون أن محمدا كان أخا خداع وتدليس، وصاحب باطل ومين، كلا بعد ما وعينا تاريخه، ودرسنا حياته، فإن الخداع والتدليس والباطل والمين كل ذلك من نفاق العقيدة، وليس للنفاق قوة العقيدة، كما أن ليس للكذب قوة الصدق والحق.
وإذا كانت قوة الصعود والمرمى في عالم الطبيعة والحركات الآلية هي المقياس الصحيح لقوة المصدر الذي تنفذ منه الرمية، ويظهر في الأفق من القذيفة، فإن العمل والفعل الذي يحدثه المحدث في علم التاريخ، وسجل الخلود، وكتاب الإنسانية هو المقياس الصحيح لمقدار الوحي، وقوة القلب والوجدان والفكرة السامية العالية التي تنفذ إلى مكان بعيد وتبقى زمنا طويلا، وتمشي في الحياة أبدا رخيا، وهي ولا ريب فكرة قوية صدرت من جنان قوي.
ولكي تكون تلك الفكرة قوية ينبغي أن يكون ظاهرها وباطنها الإخلاص وعلمها الأكبر الحق والصدق، وتروح معقولة يقبلها اللب، ويعتمدها الذهن، ولا ريب أن ذلك ينطبق على محمد ورسالته، والوحي الذي تَنَزَّلَ عليه، فإن حياته وقوة تأمله وتفكيره وجهاده ووثبته على خرافات أمته، وجاهلية شعبه، وخزعبلات قبيلته، وشهامته وجرأته وبأسه في لقاء التعذيب الذي لقيه من عبدة الأوثان، وثباته وبقاءَه خمسة عشر عاما يدعو دعوته وسط أعدائِه وبهرة خصومه في قلب مكة وندواتها ومجامع أهلها، وتقبله سخرية الساخرين، وهزؤه بهزؤ الهازئين، وحميته في نشر رسالته وثباته وتوفره عليها، وحروبه التي كان صفه فيها أقل نفيرا من عدوه وأصغر عددا، ووثوقه بالنجاح، وإيمانه بالظفر وإعلاء كلمته، واطمئنانه ورباطة جأشه في الهزائم، وأناته وصبره حتى يحرز النصر، وتطلعه إلى إعلاء الكلمة، وتأسيس العقيدة، لا فتح الدول وإنشاء الإمبراطورية وإقامة القيصرية، ونجواه التي لم تنقطع مع الله، وموته وقبض الله إياه إلى جواره، ونجاح دينه بعد موته، هذه كلها أدلة على أنه لم يكن يضمر خداعا أو يعيش على باطل ومين، بل كان وراءها عقيدة صادقة، ويقين مضيء في قلبه، وهذا اليقين الذي ملأ روحه هو الذي وهبه القوة على أن يرد إلى الحياة فكرة عظيمة وحجة قائمة، ومبدأ مزدوجا، وهو وحدانية الله وتجرد ذاته عن المادة، الأولى تدل عمن هو الله، والثانية تنفي ما ألصقه الوثنيون به، والأولى حطمت آلهة كاذبة، ونكست معبودات كاذبة، والأخرى فتحت طريقا جديدا إلى الفكر، ومهدت سبيلا طريفة للنظر.
وأما الفيلسوف والخطيب والرسول والمشرع والقائد ومسعر الحرب وفاتح أقطار الفكر، ورائد الإنسان إلى العقل، وناشر العقائد المعقولة المتفقة مع الذهن واللب، ومؤسس دين لا وثنية فيه ولا صور ولا رقيات، ومنشئ عشرين دولة في الأرض، وفاتح دولة واحدة في السماء، من ناحية الروح والفؤاد  فذلكم هو محمد.. فأي رجل لعمركم قِيسَ بجميع هذه المقاييس التي وُضِعَتْ لوزن العظمة الإنسانية كان أعظم منه، وأي إنسان صعد هذه المراقي كلها فكان عظيما في جميعها، غير هذا الرجل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق