على النفس المتألمة فريسة السأم الطويل
ويلف الأفق بذراعيه كل دائرة
يسكب لنا نهارا قاتما أشد حزنا من الليالي
عندما تتحول الأرض إلى سجن عفن
ويغدو الأمل وطواطا
يضرب الجدران بجناحيه الخجولة
مقلدا بها قضبان سجن واسع
شعب أخرس من العناكب الدنيئة
ينسج شباكه في تلافيف أدمغتنا
أجراس تدق فجأة بشراسة
وتطلق في عنان السماء عويلا مخيفا
كعويل نفوس هائمة بلا وطن
تبدأ بالأنين باستمرار
ومواكب موتى طويلة دون طبول وموسيقى
تمر ببطئ في روحي
الأمل المقهور يبكي والحزن الفظيع المستبد
فوق رأسي المنحني يغرس علمه الأسود
هوامش:
شارل
بودلير (1821-1867)
شاعر وناقد فرنسي، من
أبرز شعراء الحركة الرمزية في القرن التاسع عشر، ومن الشعراء الفرنسيين الكبار ومن
أكثرهم تأثيرا في تطور الشعر الحديث في أوروبا وغيرها، كان شاعرا ذا خيال واسع، وناقدا متمكنا ومتقد الذهن، وكانت حياته كلها ضجر وحيرة وتمرد على الأوضاع، وهو ما
تجلى بصورة واضحة في جميع أشعاره.
كان من
نتائج نشر كتابه أزهار الشر تقديمه للمحاكمة بتهمتي التجرؤ على المقدسات ونشر الفجور،
وأُدين وحُكم عليه بدفع غرامة مالية مع حظر نشر ست من قصائده، وقد عبر عن ذلك
عندما كتب مرة: "لم يكن بوسعي أن أكتب بطريقة غير تلك التي كتبت بها، إذ أن
ما كتبته كان انعكاسا صادقا لنفس مضطربة غائصة لقيعان الرذيلة".
ولعل قصيدة
سوناتا بودلير التي توحي بمراسلات العلاقة الرمزية بالعالم الحسي والعالم غير المنظورجعلت
منه رائدا للحركة الرمزية، واعتبره السرياليون أول شاعر حديث مرموق ارتاد واكتشف اللاعقلانية،
أما قصيدته الفراديس المزيفة التي تتفحص النفس البشرية تحت تأثير المخدرات، فهي
توضح بجلاء نظريات وأفكار بودلير فى الفن والشعر في مجموعة مقالاته الفن الرومانسى.
كان شارل
بودلير عصبيا متقلب المزاج، محتقرا للأخلاق والقيم البورجوازية التي يصفها
بالغباء، وقد كان هذا سببا في مشاجراته المستمرة مع أسرته وأصدقائه وشركائه، كان
متجولا متسكعا في الطرقات وارتياد المقاهي، ومتعاطيا للكحول والأفيون والحياة
البذخية التي كبلته بالديون طوال حياته.
لقد سعى
بودلير من خلال أشعاره أن يحرر الإنسان من خلال البحث عن المتعة الحسية والجمال في
جميع أشكاله وتجلياته، وقد اعتبر الفيلسوف الوجودي جون بول سارتر بأن شارل بودلير
كان ممتلئا بذاته لدرجة الفيضان، وأنه ينتمي كثيرا إلى شخصه فقط لكي يتسنى له
التصرف كما يهوى والغوص في نفسه إلى درجة الضياع.
تأثر بودلير
بالروائي الأمريكي إدجار ألان بو، وترجم كثيرا من أعماله، كما أن أعمال بودلير نفسه
تُرجمت إلى عدة لغات عالمية من بينها اللغة العربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق