نصيحة إلى نفسي: لا تكن إمعة لأحد

"كُلَّمًا زَادَتْ مَعْرِفَتِي بِالنَّاسِ، زَادَ تَفْضِيلِي لِحُبِّ كَلْبِي" الكاتب الأمريكي الساخر مارك توين
نصيحة إلى نفسي: لا تكن إمعة لأحد
سمعت صوتا هامسا في السحر يقول لي: لا تكن إِمَّعَةً أو عبداً أو جرماً صغيراً يدور في فَلَكِ أحدٍ من الخلقِ، كن أنت كما هو أنت.. فريدا غريبا لا تشبه أحداً ولا يشبهك أحدٌ، واعمل دائما على أن تقول لا بصوت مرتفع عندما يلزم الأمر ذلك وتدعو إليه الضرورة، قل لا صادحة مُدَوِيَّةً في وجه الطغاة والمستبدين والفاسدين مهما بلغ شأوهم وسلطانهم، كن شجاعا صبورا ولو بقيت لوحدك أعزلا واقفا على رجل واحدة في مواجهة العالم أجمع، قل لا مدوية في وجه الظلم والطغيان والاستبداد والفساد وأنت تعرف مسبقا في قرارة نفسك أنك مُدَمَّرٌ مَسْحُوقٌ لا محالة، ولكن كن واثقا وعلى يقين أن أي قُوَّةٍ على وجه الأرض لن تستطيع هزيمتك ولو أَفْنَتْكَ عن بُكْرَةِ أَبِيكَ، ولا تنتظر مطلقا طال الزمن أو قصر مُؤَازَرَةً أو مِنَّةً أو شَفَقَةً من أَحَدٍ، فحتى الخالق جل وعلا لا يرضى عنه كل البشر.
ومهما وضعوا في عجلة دراجتك من عصي، ومهما مترسوا في طريقك من عراقيل وشراك للإيقاع بك، ومهما افتروا عليك لتشويه سمعتك ودحرك فلا تستسلم أبدا للأمر الواقع، وقف دائما شامـخا منتصب القامة مرفوع الهامة بجانب الحق والضعفاء ولو كنت على شفا الهلاك، ولا تجعل كل همك في فرجك وبطنك وتُضْحِي من شر الدواب.
اجعل شرفك وكرامتك وعزتك تاجا فوق رأسك حتى ولو كنت حافي القدمين، فهذه هي كل ما تملك في هذه الحياة الدنيا، وهي الشيء الوحيد الذي لا يمكن في جميع الأحوال سلبه أو منحه إياك ولو قايضوه بكل أموال الدنيا، فلا تغرنك المظاهر البراقة الخادعة، ولا يغرنك ما يمتلكه ويسعى إلى امتلاكه العبيد المتهافتون على حطام هذه الغانية الفانية بكل الوسائل حتى الساقطة منها، لأن ذلك من شيم الحثالات والنفوس النذلة السافلة.
اعلم  أنك لا تعرف الشيء الكثير، واعلم أنك لا زلت تتخبط وتتمايل يمنة ويسرة وتضرب أخماسا بأسداس في أمور شتى، في محاولة منك للتخلص من جهلك الذي بصمه على جبينك مجتمعك الخليط الهجين والمتخلف على جميع الأصعدة الذي رأيت فيه النور، وترعرت بين دروبه الوعرة المسالك والشعاب، والكثيرة الوحوش الضارية والثعالب والذئاب.
اعلم أنه مهما بلغ علمك ومنصبك وجاهك إياك ثم إياك أن تكون من أولئك الجهلة الذين يتبجحون ويفتخرون بأنهم يرون بوضوح وسط كل هذه الظلمة الحالكة وهذا الارتباك العظيم، في الوقت الذي أضحت تتراءى في الأمد القريب شكوك كثيرة حول مآل البشرية ونهايتها المأساوية الـمُنتظرة التي قد تدق على حين غرة بدون استئذان.
دقق ومحص جيدا في الفساد الكبير المستشري في البشرية جمعاء في كل ركن من الكرة الأرضية المتعفن في الوقت الراهن، لتعرف بأن ذلك ليس اعتباطيا أو وليد الصدفة، بل هو سلاح سياسي لفرض الانحراف والغباء وشل حركة الإنسان السوي لمنعه من التفكير وبالتالي ردة الفعل اتجاه كل أشكال الفساد، حتى يصبح منصاعا طيعا سهل الرعي والركوب.
اعلم أنه من كثرة رؤية الأمور ينتهي الأمر بالناس إلى تحملها، ومن كثرة التحمل ينتهي بهم الأمر إلى التسامح، ومن كثرة التسامح ينتهي بهم الأمر إلى تقبل كل شيء، ومن كثرة تقبل كل شيء ينتهي بهم الأمر إلى الموافقة والمصادقة على كل شيء، ثم ينتهي بهم الأمر في آخر المطاف إلى الضياع بدون رجعة، عندما يسود ضباب أسود كثيف في وضح النهار.
تذكر جيدا ولا تنسى أبدا بأن رحى مسرح الحياة في عالم اليوم لا يمكنها أن تدور إلا على النحو الذي تدور عليه، لأن الماسونيين الكفرة عبدة الشيطان الذين يُديرون اللعبة ويتحكمون في خيوطها من وراء الخشبة يدركون جيدا أن من يجعل كل همه في غرائزه الحيوانية الجنسية والافتراسية لن يتبقى له ما يفكر فيه في هذه الحياة الدنيا، إنه إنسان معوق، منعدم الإرادة، مشلول الحركة، منحط الاستعداد الفكري والخلقي، لا يمتلك رؤية واضحة، ولا يملك ابتكارا، ولا ذكاء، ولا جرأة، ولا إقداما، إنه كائن سلبي مريض يسمم أجواء العالم ويقوده إلى حتفه، ولا يمكن الاعتماد عليه  في أي شأن يهم مصلحة الأمة على الإطلاق.
 فلا يغرنك التقدم التكنولوجي الهائل والغير مسبوق الذي حققته البشرية خلال الستين سنة الأخيرة، لأن اللحية لا تصنع الفيلسوف، ولسوف تَنْدَهِشُ وتُصْدَمُ لا محالة عندما تستطلع وتدرك حجم الإخفاق الهائل المفزع في الجوانب الإنسانية والاجتماعية والقيمية والأخلاقية، والنتيجة على كل حال ها هي أمامك...هذا المسخ المشوه المعاصر الذي يمشي على قدمين ويظن في قرارة نفسه بكل صَلَفٍ أنه أصبح قادرا على إدارة كل شأن من شؤون الحياة بعلومه الماسونية المصابة بكل الأهواء والأدواء. 
فاستيقظت على آذان الفجر عندما بدأ البياض يعلو السواد، وأنا مرتبك محدق في الغبش المحيط بي وباحث بدون جدوى عن الهامس في أذني، والذي على ما بدا لي بعد يأسي من العثور عليه بأنه لا ينتمي إلى هذا العالم السفلي الذي ما زلت أتعارك فيه مع قوى الشر والمكر والفساد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق