أمريكا هي المالك الحقيقي للمشروع الصهيوني الهمجي العنصري الإرهابي المجرم

"إذا كان هناك بلد ارتكب فظائع لا توصف في العالم فهو الولايات المتحدة الأمريكية" المناضل الفريد الجنوب أفريقي الراحل نيلسون مانديلا
أمريكا هي المالك الحقيقي للمشروع الصهيوني
لا يملك أي متتبع لسيرة رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية إلا ضرب أكف العجب وهو يرى إيمانهم الصهيوني العميق، وعداءهم الذي لا تشوبه شائبة لكل ما هو عربي وإسلامي، كما سيجد متتبع سيرتهم دورهم واضحاً في إقامة الكيان الصهيوني، وسيكتشف أن هذا الدور لم يكن دور المعاون أو المساند، فأمريكا هي المالك الحقيقي للمشروع الصهيوني، وهي المتصرف في أمره كذلك.
فقد كان واضحاً منذ البداية أثر الرموز التوراتية على الرؤساء الأمريكيين الأوائل 'جورج واشنطن' و'جون آدمز' و'جفرسون'، حيث أخذت الرموز التوراتية تهيمن على كل كبيرة وصغيرة في الحياة الأمريكية: عملتها، شعارها، خاتمها، أسماء مدنها.. والأهم تفكيرها وطبيعة مؤسسيها.
كان الرئيس الأول لأمريكا 'جورج واشنطن' من أوائل الأمريكان الذين انتسبوا إلى المحافل الماسونية اليهودية، "حيث انتسب إليها في عام 1755م وترقى في الدرجات إلى أعلاها، وقام بتأسيس محفل ماسوني في فرجينيا دعاه محفل إسكندرية رقم 23 وانْتُخِبَ رئيساً له، وبعد وفاته أجمع أعضاء المحفل على تسميته (محفل واشنطن الإسكندري) وذلك رغبة في أن يبقى ذكر رئيسهم المجيد في الأفواه، وأن تكون آثاره الماسونية غرضاً تصوب إليها الأفكار للاقتداء به" 1.
وانتساب الرئيس 'جورج واشنطن' إلى هذه المحافل يعكس بجلاء خلفياته الدينية التوراتية، حيث كان رجلاً شديد التدين (عبرانياً) وظل حتى أخريات أيامه عظيم التقديس للشعائر والطقوس اليهودية والتاريخ المقدس الذي تضمنه العهد القديم، ففي رسالتين وجههما إلى إثنين من قادة اليهود أعرب 'جورج واشنطن' عن أمله في: "أن يظل الرب صانع المعجزات الذي خلص العبرانيين في الأزمنة القديمة من بغي مضطهديهم المصريين، وزرعهم في أرض الميعاد، يسقيهم من السماء، وأن ينعم ذلك الرب القدير يهوه، على كل منٌ بالولايات المتحدة التي تأسست بقدرته، بالبركات الدنيوية والروحية التي أنعم بها على شعبه" 2.
أما الرئيس الثاني لأمريكا 'جون آدمز' فقد بعث في عام 1818م برسالة إلى الصحفي اليهودي 'مردخاى مانويل نوح' عبر فيها عن أمنيته في أن يعود اليهود إلى جوديا ـ يهودا ـ لتصبح أمة مستقلة .. "لأنني اعتقد أنه بعد أن يعودوا إلى مكانة مستقلة، لن يكونوا مطاردين بعدها، سيزيلون من على أنفسهم، التصلب والغرابة في طباعهم" 3.
اقترح الرئيس الثالث لأمريكا 'توماس جيفرسون'، وواضع وثيقة استقلالها، أن يمثل رمز الولايات المتحدة الأمريكية، على شكل أبناء إسرائيل تقودهم في النهار غيمة وفي الليل عمود من النار، بدلاً من الرمز المعمول به حالياً، وواضح أن هذا الشكل المقترح رمزاً للولايات المتحدة يتفق مع النص التوراتى الوارد في سفر الخروج والذي يقول: "كان الرب يسير أمامهم نهاراً في عمود سحاب يهديهم في الطريق، وليلاً في عمود نور ليضئ لهم" 4، أما 'بنيامين فرانكلين' "فقد اقترح أن يكون الشعار صورة موسى وهو يشق البحر الأحمر بعصاه" 5، وهنا مرة أخرى تتأكد لنا صهيونية الرمز الأمريكي، وهي صهيونية سبقت إعلان الصهيونية اليهودية بأكثر من قرن كامل، ويضعنا شفيق مقار أمام رموز أخرى حيث يقول: "ومن تلك المعطيات أيضاً أن الرسم الأول الذي اقترح لعلم الولايات المتحدة كان رسماً لصور موسى خارجاً من مصر على رأس بني إسرائيل، غير أنه أثار جدلا فاسْتُعِيضَ عنه برسم النسر، والمسألة مجرد استبدال رمز توراتي برمز توراتي آخر" 6.
كما أن الرئيس 'جيفرسون' -الذي كان صاحب أول إعلان حرب أمريكي ضد بلد عربي هو ليبيا في عام 1801، وكان من أبلغ من تحدث عن المعنى الإسرائيلي لأميركا، بل إنه ختم خطابه التدشيني لفترة الرئاسة الثانية بتعبير يشبه الصورة التي اقترحها لخاتم الجمهورية "إنني بحاجة إلى فضل ذلك الذي هدى آباءنا في البحر، كما هدى بنى إسرائيل وأخذ بيدهم من أرضهم الأم ليزرعهم في بلد يفيض بكل لوازم الحياة ورفاه العيش" 7.
كان الرئيس الرابع لأمريكا 'جيمس ماديسون'، رجلاً شديد التدين اتجه طموحه قبل أن تجتذبه السياسة إلى سلك الكنيسة، ولذا امتاز على غيره من الرؤساء الأمريكيين المؤمنين بإجادته اللغة العبرية وتبحره في آدابها، أي العهد القديم وكتابات الكهنة والأحبار اليهود 8، وبتأثير تلك الخلفية العبرانية، كان فعل العامل الديني في حالته قوياً، حيث قام بتعيين الداعية اليهودي الشهير 'موردخاي نوح' قنصلا فخرياً للولايات المتحدة الأمريكية في تونس بناء على طلب نوح نفسه سنة 1813م، ليصبح أول يهودي يمثل الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تبع هذا التعيين المشؤوم أن قامت أمريكا في عام 1815م بإعلان الحرب على الجزائر بحجة الدفاع عن المصالح الأمريكية في المنطقة .. ومن الجزائر انتقلت القوات الأمريكية إلى تونس في عام 1816م 9.
ولما عاد اليهودي 'موردخاي نوح' إلى أمريكا، حاول إقامة مشروع (أرارات) تبركاً باسم الجبل الذي تقول التوراة أن سفينة نوح عليه السلام رست عليه، ليكون وطناً قومياً لليهود على جزيرة بنهر نياجرا، ولما فشلت المحاولة اتجه اليهودي 'موردخاي نوح' بمشروعه إلى سوريا، وفي هذا الصدد ألقى محاضرة قال فيها: "إن عدد اليهود قد بلغ 7ملايين (كان هذا في1837م)، وإنهم يتحكمون في ثروات طائلة لا سبيل إلى مقارنتها بما في أيدي الآخرين، وعلى هذا فـ (إعادة احتلال اليهود لسوريا) ليست مستحيلة، خاصة وأن دولتهم التي وصفها بأنها حكومة عادلة ليبرالية ومتصفة بالتسامح، ستكون عوناً كبيراً لمصالح فرنسا وإنجلترا" 10.
وفي سنة 1844م عدل اليهودي 'موردخاي نوح' خطته مرة أخرى، عازماً على إقامة وطن اليهود القومي في صهيون (فلسطين)، وكعادته ألقى هذا اليهودي محاضرة ضَمَّنَهَا مشروعه الجديد، واقترح أن يتم السعي لدى سلطان تركيا للحصول على موافقته على شراء الأرض اللازمة لإنشاء الوطن اليهودي بأموال اليهود وامتلاكها، ويبدو أن دعوة 'موردخاي نوح' السابقة، كانت صدى لموعظة المبشر 'ليفى برسونس' في عام 1821م التي قال فيها: "في قلب كل يهودي، تتأجج رغبة لا يمكن إخمادها، لاستيطان الأرض التي أعطيت لأجدادهم إذا دُمِّرَتْ الإمبراطورية العثمانية، فإن معجزة فقط يمكنها أن تمنع عودة اليهود الفورية إلى أرضهم، من كافة أقطار العالم" 11، والمهم هنا هو أن محاضرة 'نوح' تلك لم تلفت نظر اليهود إليها، لكن المسيحيين الصهاينة أولوها اهتماماً كبيراً، وكتب 'إسحاق ليسر' في صحيفة الغرب يقول: "أثارت محاضرة نوح قدراً كبيراً من الاهتمام بين مواطنينا المسيحيين، فاق بكثير ما أثارته من اهتمام بيننا نحن اليهود" 12.
أصبح الرئيس المنصر السادس للولايات المتحدة الأمريكية 'جون كوينسي آدمز' في عام 1825م، وخلافاً لأسلافه الثلاثة اكتفى آدمز بفترة رئاسية واحدة، وآدمز لم يشتهر بأنه كان وزيراً لخارجية أمريكا أو رئيس لها فحسب، بل اشتهر بدوره كمنصر بروتستانتي انصب جهده على اختصار الطريق إلى تحقيق مخطط الله، عن طريق محاولة إقناع اليهود بتغيير رأيهم فيما يتعلق بمسألة المجيء، والقبول بالمسيح (حسب الإيمان المسيحي)، والتعجيل بذلك ببدء العصر الألفي السعيد، حيث كان هذا هو الاعتقاد السائد لدى المسيحيين الصهاينة في ذلك الوقت، وأنه لابد من أن يشرق عصر ذهبي يضع حداً للظلم وللشر المستشري في العالم، وقد علق على ذلك الباحث 'جروس' بقوله: "إن الطموح إلى تحويل اليهود إلى المسيحية اكتسب قوة جعلت منه شبه حملة صليبية اجتماعية في مستهل حياة الجمهورية الأمريكية، وأنه تولدت عنه حركة شاعت بين النخبة الأمريكية كان من أوائل مؤيديها 'جون كوينسي آدمز'، حيث تحول الرمز اللاهوتي إلى مخطط سياسي هو المشروع الصهيوني الذي اضطلعت الولايات المتحدة الأمريكية بدور القائد في تنفيذه" 13.
وكمنصر بروتستانتي عمل 'آدمز' من موقعه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق الحلم الصهيوني، "حيث بدل جهوداً  كبيرة أثمرت عن عقد اتفاقية مع الإمبراطورية العثمانية في عام 1830م، استغلتها الكنيسة البروتستانتية في إطلاق العنان للبعثات التبشيرية البروتستانتية في المنطقة، والتي انتشرت ستون بعثه منها، بقرار من المجلس الأمريكي للبعثات الخارجية من اليونان حتى إيران، ومن إسطنبول وحتى القدس، وهذه البعثات هي التي مهدت الطريق أمام مشاريع الاستيطان اليهودي في فلسطين عملاً بتعاليم الصهيونية المسيحية التي تؤمن بها الكنيسة البروتستانتية الأمريكية" 14، حيث لعبت هذه البعثات دوراً تخريبياً في المنطقة العربية والعالم الإسلامي باعتبارها أداة وركيزة للاستعمار والصهيونية، ومعول هدم وتدمير لكل ما يمت للإسلام بصلة 15.
فالتبشير كان ولازال دعامة من دعامات الاحتلال وأداة من أدوات الفكر الغربي، فقد قدم الاحتلال ولا يزال يقدم العون المادي والمعنوي للمبشرين ويقوم بحمايتهم وإزالة الصعاب من أمامهم، "فارتباط التنصير بالاحتلال يكاد يكون عضوياً، حيث مهدت سلطات الاحتلال لنشاط التنصير ووفرت له الحماية والأمن والدعم المعنوي والمادي، وكان كثير من مبشري القرن التاسع عشر الميلادي يتحركون بعقلية صليبية، وكانوا استعماريين يقومون بدور مزدوج في التبشير وخدمة مخططات دولهم الاحتلالية.
لقد كان المبشرون هم الرواد الأوائل للاستعمار الثقافي الغربي في عالمنا الإسلامي وبلادنا العربية 16، ويقول علي عبد الحليم محمود: "كان التبشير هو الخطوة الأولى التي مهدت للاستعمار ومكنته من الاستيلاء على بلاد المسلمين وتسخير أرضهم وخيراتها وكثير من أبنائها لخدمة الأغراض السياسية والتبشيرية معاً" 17، ويقول باحث آخر: "إن التبشير الديني نفسه ستار للتبشير التجاري والسياسي وأساس متين للاستعمار، ولنذكر أن أكثر الفتن الداخلية في الشرق من دينية وسياسية واجتماعية إنما قام بها المبشرون الذين استأجرهم الاحتلال" 18.
عبر الرئيس الأمريكي السابع 'أندرو جاكسون' (1829-1837 م) عن تعاطفه مع اليهود عندما كافأ مؤيده اليهودي 'موردخاي نوح' الذي ظهر على مسرح الأحداث في عهده مرة أخرى بتعيينه مشرفاً عاماً على ميناء نيويورك، كما عبر في أحاديثه الخاصة وخطبه عن إيمانه بضرورة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، متبنياً نفس الرؤية التي عبر عنها 'حزقيا نايلز' رئيس تحرير مجلة 'نايلز ويكلي ريجستر' في مجلته حيث قال: "إن النتائج التي تترتب على إعطاء اليهود ذلك الوطن في فلسطين ستتجاوز كل ما يمكن أن يتصوره أي متكهن بالنتائج، فصحاري فلسطين المجدبة ستخضر وتورق وتزهر وتتفتح كالورود، وأورشليم التي باتت في الحضيض (بسبب وجودها في حوزة العرب المسلمين) سوف ترتفع ثانية وتضارع أكبر مدن العالم جمالاً وثراء وروعة" 19، وهنا نلاحظ تطابق كامل بين نظرة المسيحيين البروتستانت على ضفتي الأطلسي تجاه فلسطين، من خلال الاعتقاد بأنها صحراء مجذبة وقاحلة.
المدون بتصرف عن الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم ليوسف العاص الطويل
 مراجع:
1 أربع كتب في الماسونية -شاهين بك مكاريوس ـ ص118 – الطبعة الأولى سنة 1994 - مكتبة مدبولي
2 المسيحية والتوراة ـ شفيق مقار ص163
3مكان تحت الشمس ـ بنيامين نتنياهو
4 البعد الديني في السياسة الأمريكية اتجاه الو ـ ترجمة محمود عوده الدويري ص75أو- بنيامين نتنياهو إرهابي تحت الأضواء - ص 17 - مكتبة مدبولي – الطبعة الأولى سنة 1996صراع العربي الصهيوني -د. يوسف الحسن ـ ص41 - مركز دراسات الوحدة العربية - الطبعة الثالثة سنة  2000
5 المسيحية والإسلام والاستشراف -محمد فاروق الزين -ص275
6 المسيحية والتوراة -شفيق مقار- ص118
7حق التضحية بالآخر- منير العكش- ص 131
8 المسيحية والتوراة - شفيق مقار ص167
9 الصهيونية المسيحية ـ محمد السماك ص88
10 المسيحية والتوراة ـ شفيق مقار ص174
11مكان تحت الشمس ـ بنيامين نتنياهوـ ترجمة محمد الدويرى ـ ص77
12 المسيحية والتوراة ـ شفيق مقار- ص178
13 المصدر السابق- ص182
14 الصهيونية المسيحية ـ محمد السماك ص89
15 راجع كتابنا أحمد ديدات بين القاديانية والإسلام مكتبة مدبولى
16 منطقة الخليج العربي أمام التحدي العقدي - سعيد عبد الله حارب ص70 - نشر مكتبة الأمة بدبي طبعة 1985
17 الغزو الفكري وأثره في المجتمع الإسلامى المعاصرـ على عبد الحليم ـ ص165 - دار المنار- القاهرة 1989
18 التبشير والاستعمار في البلاد الإسلامية - د. مصطفى خالدي، د. عمر فروخ ص 34 – الطبعة الثالثة سنة 1964
19 المسيحية والتوراة - شفيق مقار ـ ص 184