ظلت الموسيقى المغربية محافظة على أصالتها بما في ذلك قواعدها طيلة قرون عديدة، ولم ترضخ قط إلى متغيرات ولا تيارات موسيقية دخيلة شرقية أو غربية، واستطاعت أن تبقى كما كانت عليه رغم تناقلها عبر الأجيال عن طريق الحفظ الشفهي، ويتجلى ذلك بصورة واضحة في طرب الملحون المغربي الذي يستمد أصوله من الموسيقى الأندلسية.
تتميز قصائد الملحون (أي القصيدة الملحنة) بكلام منظوم دون انضباط حرفي ومحكم لأوزان الشعر العربي والقافية، مع عذوبة في الألحان ورشاقة في الإيقاع وسلاسة في الأداء، وهو تراث مشترك بين روافد الثقافة المغربية العربية الأمازيغية الأندلسية، تمتزج فيه اللهجة العامية الراقية إن صح التعبير باللغة العربية الفصحى بشعرها ونثرها، وتتطرق مواضيعه إلى التوسلات والابتهالات الإلهية، والمدائح النبوية، والغزل، والمدح، والهجاء، والعتاب، والرثاء المعبر عنها كلها بالقصيدة الشبيهة بالقصة أو الرواية.
أما الآلات الموسيقية التي المستعملة في طرب الملحون فهي العود، الكمان، الكَنبري، السويسدي، القيثارة، البانجو أو ما يسمى بالسنتيرة، الدربوكة، الطار، الطعريجة، الهندقة، بالإضافة إلى ضبط الإيقاع باليدين.
ومن أشهر الموسيقيين المغاربة المنشدين لطرب الملحون في القرن العشرين الذين حافظوا على أصالة طرب الملحون الحاج بوزوبع الأب، الزويتن، بوستة، المهدي العلوي، الحاج الحسين التولالي، بوزوبع الإبن وغيرهم رحم الله الجميع.
أما شيوخ الملحون المشهورون بالمغرب فهم الشيوخ رحمة الله عليهم: التهامي المدغري، سيدي قدور العلمي، الجيلالي امتيرد، محمد بن علي، ولد الرزي، محمد بن سليمان الفاسي، أحمد الغرابلي، محمد بن فريحة، الحاج بن قريشي، مبارك السوسي، مولاي علي البغدادي، محمد الگندوز، بوعزة الدريبكي، محمد النجار، محمد احمر الراس، الجيلالي الشبابي، محمد بن قاسم الفقيه العميري، امْحَمَّد البوعمري، محمد بن الطاهر الشاوي، محمد المدغري العيساوي الفلوس، عبدالملك بن عمر الفيلالي وعبدالمجيد وهبي.
ويعتبر الشيخ أحمد الغرابلي رحمه الله من فحول شيوخ الكلام الموزون والنظم لقصائد الملحون بمدينة فاس بشكل خاص وفي كل أرجاء المغرب بشكل عام، فقصائده الرائعة ذات مغازي عميقة هادفة بمعانيها المبتكرة التي تجعلها تبدو بحلل قشيبة تميزها عن باقي ألوان الشعر في عاميته وفصاحته، وتزداد هاته الإبداعات الشعرية بهاء وجمالا وعمقا وإيقاعا عندما يتغنى بها عميد طرب الملحون المغربي الشيخ الحسين التولالي رحمه الله.
ويسرني أن أقدم قصيدة 'لطف الله الخافي' وبعض القصائد المشهورة لسي الحسين التي اجتمع فيها كل ما هو فن مغربي راق أصيل لا يموت رغم رحيل أصحابه: أحمد الغرابلي الشاعر المبدع المشاغب من جهة، والحسين التولالي صوت مدينة مكناس الصادح وعميد طرب الملحون المغربي بصوته الدافئ الرخيم من جهة أخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق