وهل يُوقظ النيام الموتى؟

فَمَا جَارَ الزَّمَانُ وَمَا تَعَدَّى      وَلَكِنَّ أَهْلَهُ  مُسِخُوا كِلاَبَا
مَوَاعِدُهُمْ  مَوَاعِدُ كَاذِبَاتٍ      إِذَا حَصَّلْتَهَا  كَانَتْ سَرَابَا
                                                        الشافعي رحمة الله عليه
وهل يُوقظ النيام الموتى؟
*مكث أحد المظلومين من المستضعفين يئن أعواما تحت وطئة أحد الظلمة الغشمة، فلما طال ظلم الظالم ولم يجد من يثنيه عن ظلمه تجرأ المظلوم وانتفض فخاطبه قائلا: إن ظلمك علي قد طال بأربعة أشياء: أولها أن الموت يَعُمُّنا، وثانيها أن القبر يَضُمُّنا، وثالثها أن القيامة تجمعنا، ورابعها أن الدَّيَّان يحكم بيننا.
*قال أحدهم لأبي القاسم الحكيم السَّمَرْقَنْدِي: ما بال علماء زماننا لا يتعظ الناس بمواعظهم كما كان السلف؟ فرد أبو القاسم: إِنَّ عُلَمَاءَ السَّلَفِ كَانُوا أَيْقَاظاً وَكَانَ النَّاسُ نِيَّاماً، فَيُنَبِّهُ الأَيْقَاظُ النِّيَّامَ، وَعُلَمَاءُ زَمَانِنَا نِيَّامٌ وَالنَّاسُ مَوْتَى، فَكَيْفَ يُوقِظُ النِّيَّامُ الْمَوْتَى؟
*سُئِل أبو القاسم الحكيم السمرقندي عن القلب السليم فقال: له ثلاث علامات، أولها: ألا يُؤذي أحداً، وثانيها: ألا يَتأذى من أحد، وثالثها: إذا اصطنع معروفا إلى أحد لم يتوقع منه المكافأة، فإذا هو لم يُؤْذِ أحداً فقد جاء بالورع، وإذا لم يَتَأَذَّ من أحد فقد جاء بالوفاء، وإذا لم يتوقع المكافأة بالاصطناع فقد جاء بالإخلاص.
*سُئِل حكيم أي شيء أكثر بين الخلق فقال: كثرة التدبير وليس قدرة، ومع الاستكثار لا تزول الحاجة، والعبد يحرص على كل شيء الا على الفقر، فليس يحرص عليه أحد لأن الخلق كلهم يطلبون الغنى، ولا يحرص أحد على الغم لأن الكل يطلبون السرور ويحرصون على الفرح، ولا يحرص أحد على الموت لأنهم يحرصون على الحياة.
*قال أبو القاسم الحكيم السمرقندي: هلاك العبد في شيئين المعصية والانفراد بالرأي.
*قال الحكيم بلاء الخلق من ثلاثة: العلماء المضلين، والقراء البله، والعوام الحسدة، وقيل لا تطلب صحبة من طامع، ولا تطلب وفاء من خسيس الأصل، وقال الحكيم شيئان غريبان في هذا الزمان الدين والفقر.
*قيل لأبي المتيم الصوفي الرقي: كيف حالك مع فلان؟ قال: نتداوى بالرياء إلى أن يفرج الله، قلت: هلا تخالصتما عن الرياء والنفاق؟ فقال: والله إن خوفي من أن يصير الرياء والنفاق مكاشفة، والمكاشفة مفارقة أشد من خوفي من الرياء. والعجب أن المؤونة علينا في الصبر على هذه الحال أغلظ من المؤونة لو تصافينا، إلا أن التصافي لا يكون مني وحدي ولا منه وحده، ولعله يتمنى ذلك مني كما أتمنى ذلك منه، ولكن لا يُطَابِقُ ذلك مُطابقة لحيلولة الزمان والفساد العام، وغلبة ما لا سبيل إلى تغييره، طلعت الأرض بأهلها، والحاجة ماسة إلى كلمة طرية ودعوة فاشية وأمر جامع حتى تَأْتلِفَ القلوب وتنتفي العيوب، وهذا إلى الله الذي خلق الخلق ودبر الشأن وتفرد بالغيب وتعزز بالقدرة، وكما أن في السَّنَةِ الواحدة للزمان أحوالاً في الحر المفرط والحر المتوسط والبرد المتوسط، كذلك للدهر المديد أحوال في الخير العام والشر العام والخير الخاص والشر الخاص، والعاقل من لا يتمنى مالا يوجد ولكن يصبر على ما يجد، إِنْ حُلواً فحُلواً وإن مُراً فَمُرّاً، إلى أن يأذن الله بالفرج من حيث لا يحتسب.
*قال أحد الفلاسفة: إخوان السوء ينصرفون عند النكبة ويقبلون مع النعمة، ومن شأنهم التوسل بالإخلاص والمحبة إلى أن يظفروا بالأنس والأمن والثقة، ثم يوكلون الأعين بالأفعال والأسماع بالأقوال، فإن رأوا خيراً ونالوه لم يذكروه ولم يشكروه، وإن رأوا شراً ظنوه أذاعوه ونشروه، فإن أدمت مواصلتهم فهو الداء المعضل المخوف على المقاتل، وإن استرحت إلى مصارمتهم ادعوا الخبرة بك لطول العشرة لك، فكان كذب حديثهم مُصَدَّقاً وباطلهم محققاً.
*قال ثابت البناني: جالست الناس خمسين سنة فما جالست أحداً إلا وهو يحب أن تنقاد الناس لهواه، وإن الرجل ليخطئ فيحب أن تخطئ الناس كلهم.
*قيل لبرهان الصوفي: من الصديق؟ قال: يا هذا من بضع نصفه معدوم عليك فاطلب من يسعك بخلقه ويؤنسك بنفسه ويواسيك من قليله، إن رضي عنك لم يغلظك وإن سخط عليك لم يمقتك، يبدي لك خيره لتقتدي به ويواري عنك شره لئلا تستوحش منه، فأما من تكون مثال نفسه في كل حال تلون به الدهر وهم صدره في كل أمر يقلب به الليل والنهار، يقدم حظك على حظه ولا يسارق النظر بلحظه ولا يغلظ القول بلفظه ولا يتغير لك في غيبه ولا يحول عما عهدته في شهادته، يعانق مصلحتك بالاهتمام ويثبت قدمك عند الإقدام.
*قال الحارني: الجليس الصالح كالسراج اللائح، والجليس الطالح للمرء فاضح، مجالسة الأشكال تدعو إلى الوصال، ومجالسة الأضداد تُذيب الأكباد.
*قال أعرابي في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من سلطان جائر، ونديم فاجر، وصديق غادر، وغريم ماكر، وقريب ناكر، وشريك خائن، وحريف مائن، وولد جاف، وخادم هاف، وحاسد محافظ، وجار ملاحظ.
* ذكر أعرابي مودة رجل فقال: مودة رثة العقال وسماء قليلة البلال وأرض دائمة الإمحال، هو اليد الحذاء والأزمة الحصداء، أبعد مقاله قريب وأقرب فعاله بعيد، يقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقول.
*سأل أبو العيناء أعرابيا: كيف أنت؟ قال: كما يسرك إن كنت صديقاً، وكما يسوءك إن كنت عدواً.
*قال بعض الحكماء الصبر صبران، صبر عمّا تحب وصبر على ما تكره، والرجل من جمع بينهما.
*قيل لعدي بن حاتم: ما أثقل الأشياء عليك؟ قال: اختيار الصديق ورد السائل ومسألة اللئيم. فقيل له: فما أضر الأشياء للرجل؟ قال: كثرة الكلام وإفشاء السر والثقة بكل أحد.
*أربع كلمات صدرت عن أربعة ملوك وكأنها رُميت عن قوس واحدة، قال كسرى: لم أندم على ما لم أقل وندمت على ما قلت مرارا، وقال قيصر: إني على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت، وقال ملك الصين: إذا تكلمت بكلمة ملكتني وإذا لم أتكلم بها ملكتها، وقال ملك الهند: عجبت لمن يتكلم بالكلمة إن رُفعت ضرّته وإن لم تُرفع ما نفعته.
*يُحكى أن ذئبا كان ينتاب بعض القرى ويعبث فيها، فترصده أهلها حتى صادوه وتشاوروا في تعذيبه وقتله، فقال بعضهم تُقَطَّع يداه ورجلاه وتُدَقُّ أسنانه ويُخْلَعُ لسانه، وقال بعضهم بل يُصْلَبُ ويُرشَقُ بالنبال، وقال بعضهم لا بل تُوقد نار عظيمة ويُلْقَى فيها، وقال بعض الممتحنين بنسائه لا بل يُزَوَّجُ وكفى بالتزويج تعذيبا، وفي ذلك قال الشاعر:
رُبًّ ذِئْبٍ أَخَذُوهْ      وَتَمَارَوْا فِي عِقَابِهْ
ثُمَّ  قَالُوا زَوِّجُوهْ      وَذَرُوهُ  فِي  عَذَابِهْ
*قال رجل للإمام جعفر الصادق: ما الدليل على الله، ولا تذكر لي العَالَم والعَرَضَ والجوهر؟ فأجاب:هل ركبت البحر؟ قال: نعم، قال:هل عصفت بكم الريح حتى خفتم الغرق؟ قال: نعم، قال: فهل انقطع رجاؤك من المركب ومن الملاحين؟ قال نعم، قال: فهل أَحَسَّتْ نَفْسُكَ أَنَّ تَمَّ مَنْ يُنْجِيكَ؟ قال: نعم، فقال جعفر الصادق: فإن ذاك هو الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق