من يدعي القوة يموت بالضعف

من يدعي القوة يموت بالضعف

لما حاصر ملك قشتالة الصليبي 'ألفونسو السادس' أياماً وشهوراً المعتمد بن عباد بمقر حكمه في إشبيلية بالأندلس بعث له برسالة تحذيرية ومهينة يقول له فيها: "لَقَدْ آذَانِي الذُّبَابُ فِي بِلاَدِكَ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُرْسِلَ ِلي بِمِرْوَحَةٍ أُرَوِّحُ بِهَا عَنْ نَفْسِي فَافْعَلْ"، وكان 'ألفونسو السادس' يقصد بذلك أن جيش المعتمد بن عباد وشعبه وحصونه أهون من الذباب بالنسبة له، وهذه حال اليهود والنصارى والملاحدة وأتباعهم وذيولهم في تهكمهم بكل ما له علاقة بالإسلام والمسلمين على مر التاريخ إلى يومنا هذا.
فرد عليه المعتمد بن عباد ردا قويا قائلا: "وَاللهِ لَئِنْ لَمْ تَرْجَعْ لَأُرَوِّحَنَّ لَكَ بِمِرْوَحَةٍ مِنَ الْمُرَابطِينَ"، وكان المعتمد بقصد بالمرابطين حفدة يوسف بن تاشفين رحمة الله عليهم أجمعين، وكان هذا الرد القوي الذي أرهب إرهابا ألفونسو السادس هو السبب في فك الحصار عن إشبيلية وانسحاب ألفونسو السادس بجيشه، لأن هذا الصليبي كان يعلم جيدا بأس وشدة المرابطين، وما أدراك ما المرابطون.
غير أن الصليبي 'ألفونسو السادس' لم يكف أداه وإهاناته واعتداءاته المتكررة على ملوك الطوائف، حتى ضاق هؤلاء درعا بذلك، فاستنجدوا في آخر المطاف بدولة المرابطين بالمغرب الأقصى، فعبر القائد يوسف بن تاشفين رحمه الله بقواته إلى الأندلس، واشتبك مع قوات 'ألفونسو' في معركة الزلاقة التاريخية الشهيرة  التي وقعت سنة 1086 م، وانتهت بهزيمة مدوية نكراء للصبليون، فر على إثرها جريحا مهانا كالفأر 'ألفونسو السادس' مع خمسمائة فارس أغلبهم مصابون (لم يصل منهم إلى طليطلة سوى مائة فارس) من أصل مائة ألف مقاتل خاضوا هذه الملحمة التاريخية في مواجهة ثلاثين ألف مقاتل من المسلميين.
غير أن هذا الصليبي لم يستسلم فنظّم  صفوف جيشه بعد هزيمة معركة الزلاقة المدوية، وأمضى أعوامه التالية في غارات يناوش بها المرابطين، حتى جاءت الضربة التي قسمت ظهره في المعركة التاريخية الضخمة معركة أقليش التي وقعت بين جيش المرابطين بقياة علي بن يوسف بن تاشفين على رأس ثلاثين ألف مقاتل  وقوات مملكة قشتالة بقيادة القائد القشتالي 'ألبار هانس' يمؤازرة ولي العهد القشتالي الأمير 'سانشو بن ألفونسو السادس' ملك قشتالة، وعدد من الكُونْتَاِت أبرزهم 'غارسيا أردونيث كونت' قبرة، وانتهت هذه المعركة التي قُدِّرَ فيها عدد قتلى الصليبيين بثلاثة وعشرين ألف قتيل، بانتصار ماحق لجيش المرابطين سنة 1109 م، وهي المعركة التي حطمت 'ألفونسو السادس' تحطيما ماديا ومعنويا بعد أن فقد فيها ولده وولي عهده 'سانشو'، ليموت بعدها بشهور قليلة حزنا على ولده وعلى ما آلت إليه أوضاعه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق