الطريق القصير إلى مجتمعات القردة والخنازير

الطريق القصير إلى مجتمعات القردة والخنازير
لو قُدِّرَ لأي مبحر على شبكة الأنترنت وقام بتحر بواسطة محركات البحث مثل غوغل على كلمات جنس Sex (5.790.000.000 نتيجة)، أو جنس الأطفال Sex baby (6.760.000.000 نتيجة)، أو سُحاق Lesbian (7.130.000.000 نتيجة)، أو رقيق أبيض White slave(514.000.000 نتيجة)، فإنه بدون أدنى شك سوف يُصاب بالذهول والصدمة للكم الهائل من المواضيع التي تعج بها الشبكة لدرجة الغثيان، هذا الغثيان الذي يسمم أجواء العالم اليوم ويأذن بانهياره وخرابه، أضف إلى ذلك الفضائيات التي تصب فوق رؤوس البشر كالأمطار الطوفانية، والصحف والمجلات، وشبكات الدعارة والمتاجرة في الرقيق الأبيض، المنتشرة على طول الأرض وعرضها، والتي لم يسلم منها أي بلد من البلدان على وجه الكرة الأرضية بدون استثناء.
فدعونا نرجع قليلا إلى التاريخ كي نعرف أصل الحكاية منذ البداية، فقد برز ظهور تيار الحركة النسوية التحررية في الغرب  بشكل متصاعد منتصف القرن التاسع عشر، فَدُعِيَتِ النساء آنذاك لضبط أوزانهن من خلال التمارين الرياضية، والوصفات الغذائية بحثا عن النحافة كتحد للسمنة، وسعيا للحصول على الرشاقة والجمال المثير للشهوة، فتم استخدام جسد المرأة محورا رئيسيا للأنشطة التجارية والإعلامية التي تتخذ الجنس نمطا للحياة على نطاق واسع، وتم وضع معايير محددة لجمال المرأة ومقاييس محددة لجسدها في اللون والأبعاد والتقاسيم وما يظهر وما يختفي.
غير أن ثورة التحرر الجنسي في الأدبيات والكتابات لم تظهر بشكل ملفت إلا مع مطلع الثلث الأول من القرن العشرين برواية يوليسيس Ulysses للكاتب الأيرلندي جيمس جويس James Joyce (1882-1941) الغارقة في البذاءة، والتي لم تسمح القوانين بنشرها إلا سنة 1930، أي بعد مرور عشر سنوات على صدورها، واعتبرها الحداثيون نموذجا معبرا عن حركتهم التحررية من ضغوط المحافظين حسب ادعائهم، ثم تتالت بعد هذا التاريخ إصدارات شتى فيما يمكن تسميته بالأدب الجنسي البذيء، مع الإغراق في تفاصيل العنف والمشاهد الدامية الدرامية، والتعبير عن الجنس بتضحيم  مبالغ فيه للجسد من خلال الإبهار البصري،  ومن هنا تحول جسد المرأة إلى سلعة عبارة عن صورة مضخمة تكاد تغشي كل شيء من حولها لدرجة الاستعباد، مما ساهم بشكل كبير في ازدهار فنون صناعة الجسد وفنون اللذة الجنسية، وما واكب ذلك من تطور هائل في الإعلانات التي أغرقت الكرة الأرضية، إضافة إلى التجميل والموضة والعطور والملابس الداخلية والخارجية للمرأة، ومسابقات ملكات الجمال التي أصبحت تُقام حتى فيما يسمى بالدول التي تسطر في دساتيرها بأن دينها هو الإسلام، وأصبح الماسونيون من رموز الفن والسياسة والإعلام والرياضة هم سادة هذه الحركة النسوية التحررية، وحاملو مشعل حركة الجسد والجنس واللذة والحرية الفرجية عفوا الحرية الفردية والمثلية والسحاق والبيدوفيليا، وأصبح جسد المرأة أعظم تجارة للرقيق الأبيض على مر التاريخ، تدر أرباحا قارونية على حراس المعبد الماسوني اللوسيفري وعملائهم وخدامهم من علمانيين وحداثيين وملحدين وربوبيين ولادينيين وغيرهم من الطوائف الضالة. 
إن أكثر النساء العصريات اليوم لم تعدن تطمحن أن تكونن أمهات تلعبن أدوار الأمومة وتكونن مربيات وربات بيوت ورمزا للتضحية والعطاء والعفة، لما تحول جسد المرأة إلى جسد دوره الوحيد هو الجنس وجذب المال، ولما أغراها الماسونيون الحداثيون الأشرار وليس الأحرار كما يدعون من منتجي ثقافة الجنس وثورتها التحررية للانعتاق من سلطة الرجل والأسرة، وتحسين وضعيتها، ونيل حريتها، وفرض استقلاليتها، والتصرف في جسدها كما تشاء، وإشباع رغباتها الجنسية دون الحاجة إلى شريك.      
ومع تطور علم البيولوجيا تحول النظر إلى جسد المرأة بكونه مجالا للبحث والسيطرة على القواننين البيولوجية، ابتداء من الهندسة الوراثية وانتهاء للطموح بتصنيع الخلايا، ومن تم برزت عمليات التجميل كأدوات للتحكم بالجسد وفن المقاييس المحددة مسبقا لجسد المرأة المثالي، ثم عمل بعد ذلك منتجو ثقافة الجنس على استغلال جسد المرأة من الانتقال به من جماليات الفن إلى توظيفه في عالم المال كجسد بدون عقل، كل ما يُشترط فيه بالدرجة الأولى هو جمال الهيئة والمؤهلات الجسدية التي تعتبر لوحدها أدة للتواصل بين المالك والزبون الذي يجب إبهاره بهذا الجسد (المثالي حسب الماسونيين الأشرار)، ومن تم حلبه وسلبه أمواله.
غير أن نشاط الماسونيين لم ينحصر فقط في الراديو والتلفاز والسينما والمجلات والصحف، بل تعداه إلى تقنين تحرر المرأة وإقرار الحريات الفرجية بشكل قانوني، لما عقدوا عدة مؤتمرات تحت رعاية ما يسمى بالأمم الشاذة عفوا الأمم المتحدة، التي دعت في العديد من هذه المؤتمرات وبصورة علنية جهارا نهارا إلى عدم التمييز بين الناس على أساس النوع أو الجنس، واعتبار جميع الأشكال الشاذة من زنا ولواط وسحاق ومثلية كلها مشروعة دون قيد أو شرط، وأنها كلها تدخل  في إطار الحقوق الأساسية للإنسان والحريات الفرجية التي لا يجب المساس بها في أي حال من الأحوال، وفي هذا الصدد تم اعتماد عدة توصيات تُقِرُّ بدون أدنى تحفظ بأن للمرأة الحق في السيادة على جسدها وعلى رأس اللائحة فرجها وهنا نهق حمار الشيخ في العقبة، وتدعو إلى تحطيم أدوار الأبوة والأمومة، وتمنع زواج المراهقات وتُبيح لهن الحرية الجنسية للإشباع نزواتهن، وكل هذا من أجل إقامة مجتمع متحرر من كل القيود والروابط النمطية التقليدية العتيقة، ويقصدون بذلك بطبيعة الحال الديانات السماوية.
أما فيما يخص تغريب المرأة المسلمة الذي وصل اليوم إلى مراحل متطورة وجد خطيرة سوف تعصف بكل الدول التي تدعي في دساتيرها أن دينها هو الإسلام، والقضية مسألة وقت فقط ليس إلا، يقول الدكتور بشر بن فهد البشر في مؤلفه أساليب العلمانيين في تغريب المرأة المسلمة: " لقد فطن الغرب لمكانة المرأة الأساسية ودورها في صنع الأمة وتأثيرها على المجتمع، فهي راعية الأسرة، وحارسة القيم، وصانعة الأجيال، ولذلك أيقنوا أنهم متى أفسدوا المرأة ونجحوا في تغريبها وتضليلها حين ذلك تهون عليهم حصون الإسلام، بل يدخلونها مستسلمة بدون أدنى مقاومة.. ويقول شياطين اليهود في بروتوكولاتهم علينا أن نكسب المرأة، ففي أي يوم مدت إلينا يدها ربحنا القضية، ولذلك نجح اليهود في توجيه الرأي العام الغربي حينما ملكوا المرأة عن طريق الإعلام وعن طريق المال.. ومن تم عمل أعداء الإسلام بمقولة: "كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوها في حب المادة والشهوات". 
ومن المعلوم أن أي مجتمع كان يمكن الانفراد به وتدميره بكل يسر وسهولة إذا ما تمت تدمير أخلاقه وقيمه من خلال حروب نفسية منظمة ومتواصلة تقوم بها دول ومنظمات وجمعيات دولية وجهوية وحتى محلية ذيلية خائنة وتابعة لها تتقاضى أجرها بالعملة الصعبة، تطال التهجم والاستهزاء بالدين والذات الإلهية، والعمل على:
-إفشال التعليم وإفراغه من أية معرفة حقيقية ومن كل شيء ذي قيمة، لإنشاء أجيال جاهلة بتاريخها لا هوية لها ولاقيم ولا مبادئ، ولا تعرف الواو من عصا الطبال كما يقول المثل الشعبي المغربي، 
-إفساد الإعلام وإغراقه في التفاهة والميوعة والعبث، مثل أخبار من يسمون بالفنانين والفنانات والممثلين والممثلات والرياضيين والرياضيات وهلم جرا، 
-تمييع الفن والثقافة من إخلال إنشاء قدوات فاسدة وماجنة ومائعة وأحيانا ختى شاذة جنسيا تُبنى عليها بطولات زائفة وفقاعات مثل فقاعات الصابون للشباب الدائخ عن القبلة، 
-تشجيع المراهقين في حبهم للظهور على الإخلال بالقوانين والنظام العام والأمن لإحداث الفوضى والاضطرابات من خلال السينما والتلفزيون والأنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي المتحكم فيها عن بعد، مما يؤدي إلى ضعف الولاء للدولة وفقدان الثقة في مؤسساتها،
-تخريب العلاقات والأواصر الاجتماعية التي يقوم عليها المجتمع، وتشجيع الأنانية، ومراكمة الثروة بطرق غير مشروعة، وحب التملك، وحب الظهور، والتشجيع على الاستهلاك، ونشر الكراهية والعنف والانقسامات بدل الرحمة والتضامن والتكافل والقناعة والرضى،  
-تسرب أجانب مخربين من خلال تساهل السلطات مع السياحة لدرجة التهور للطعن والضرب بعمق في كل شيء ابتداء من الدين والقيم والأخلاق وانتهاء بالمجتمع والعائلة، ومن تم نشر الإباحية والانحلال الأخلاقي وكل الرذائل التي يستحم في مستنقعها اليوم المجتمع الغربي المتداعي على كل الأصعدة رغم رخائه المادي الظاهر المضلل للكثيرين من الماديين. 
ومع دخول الأنترنت في الثلث الأخير من القرن العشرين، ورأفة ورحمة بالمفعول بهم من المغفلين في هذا العالم السفلي، من التائهين والتائهات في خضم الإفساد الأخلاقي العظيم، والفراغ النفسي المهول، والوحدة القاتلة التي عمت الكرة الأرضية بعد ضعف الإيمان وجور الإنسان وصعود نجم الظلم والطغيان، اخترع الماسونيون الخبثاء الأشرار هذه المنصة من خلال استغلالهم للجانب الفاجر في النفس البشرية، وتحييدهم بالكامل للجانب التقي فيها، فأتاحوا  ولأول مرة في التاريخ البشري لأي كان ذكر أم أنثى بأن يختلي مع جهاز صغير في أي ركن من العالم في سرية تامة ودون أي توجس، وذلك عن طريق شبكة شيطانية عالمية لا يملكها أحد ولا تخضع لرقابة أحد، تقدم ليلا ونهارا وبدون انقطاع كل أنواع المعارف والعلوم والآداب والفنون والترفيه وغير ذلك، وفي نفس الوقت تغرق الشبكة في يم مهول من  الإفساد الأخلاقي الكبير من فحش وإباحية ودعارة وبذاءة وخسة وانحراف وشذوذ وإدمان على المخدرات وابتزاز وعنف دموي وجرائم مروعة. 
وبذلك تم فتح الأبواب على مصارعها لكل ما  كان محظورا في المجتمعات المتدينة المحافظة، عن طريق أدوات أكثر مكرا للتسلية والعبث تسر الناظرين وتفسد أخلاق الناس من بريد إلكتروني، ودردشة، ومواقع لما يسمى بالتواصل الاجتماعي من فيسبوك، وتويتر، ويوتيوب، ولينكد إن، وبنترإيست، وجوجل بلس، وتـمبلر، وواتساب، وإنستاغرام، وفي كي، وفليكر، وفاين، وماي سبيس، مما أتاح ولأول مرة في التاريخ الخلوة التي أقبرت الشرع وَشَيَّعَتْ جنازته بزغاريد المؤنث الخنثوي، ودفنت إلى جنبه الأيسر أبناءه الثلاثة الأوفياء العفة والشرف والحياء، فَفُتِحت متاجر الدعارة الافتراضية للبيع والشراء في كل شيء ابتداء من الشرف وانتهاء بالابتزاز والتجسس والقرف.
وفي الأخير تم دق الإسفين بين جيل الألفية الثالثة التائه والأخلاق والدين الإسلامي، فتحررت الأجساد والذوات من كل القيود الاجتماعية والأخلاقية والنفسية، ودخلت في علاقة سرية مع أطراف أخرى، مما أتاح للبشر مساحة واسعة للتجريب والتركيب ولعب وتقمص أدوار تقترب أو تبتعد من الذوات الحقيقية المعذبة، هذه الذوات التي أضحت يوما بعد يوم تحاكي أكثر فأكثر مجتمعات القردة والخنازير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق