* قال العالم الكاتب بزرجمهر الفارسي الوزير والصدر الأعظم لكسرى
أني شروان: نصحني النصحاء، ووعظني الوعاظ، فلم يعظني أحد مثل شيمتي ولا نصحني مثل
فكري؛ واستضأت بنور الشمس، وضوء النهار، فلم أستضيء بشيء أضوأ من نور
قلبي؛ وكنت عبد الأحرار والعبيد فلم يملكني أحد ولا قهرني مثل
هواي؛ وعاداني الأعداء فلم أرَ أعدى إلي من نفسي؛ وزاحمتني
المضايق فلم يزاحمني مثل الخلق السوء؛ ووقعت في المضار العظيمة فلم أقع في
أضر من لساني؛ ومشيت على الجمر، ووطئت على الرمضاء، فلم أرَ ناراً أحر من
غضبي إذا تمكن مني؛ وطلبني الطلاب فلم يدركني مثل إساءتي؛ وفكرت في
الداء القاتل ومن أين يأتيني فوجدته من معصية ربي؛ والتمست الراحة لنفسي فلم
أجد شيئاً أروح لها من ترك ما لا يعنيها؛ وركبت البحر وعاينت الأهوال فلم أرَ
هولاً أعظم من الوقوف بين يدي سلطان جائر؛ وتوحشت في البراري والجبال
فلم أرَ أوحش من قرين السوء؛ وعالجت السباع فغلبتها وغلبني صاحب
الخلق السوء؛ وأكلت الطيّب، وشربت المسْكر، وعانقت الحسان، وركبت الجياد، فلم
أجد شيئاً ألذ من العافية والأمن؛ وأكلت الصَّبر، وشربت المر، فلم أرَ شيئاً
أمرّ من الفقر؛ وشاهدت الزحوف، وعاينت الحتوف، وضارعت الأقران، فلم أرَ أغلب
من المرأة السوء؛ وعالجت الأثقال، ونقلت الصخر، فلم أرَ حِمْلاً أثقل من
الدَّيْنِ؛ ونظرت فيما يذل العزيز، ويسكر القوي، ويضع الشريف، فلم أرَ أذل من ذي
فاقة وذي حاجة؛ ورُشِقْتُ بالنشاب، وشُدِدْتُ في الوثاق، وضُرِبْتُ بعمد الحديد، فلم
يهدمني مثل ما هدمني الهم والحزن؛ واصطنعت الأخدان، وانتخبت الأقوام للعدة والشدة
والنائبة، فلم أرَ شيئاً خيراً من التكرم عندهم؛ وطلبت الغنى من وجوهه فلم أرَ
غِنىً أغنى من القناعة؛ وتصدقت بالذخائر فلم أرَ أنفع من رد ضال إلى الهدى؛ ورأيت
الذل في الغربة والوحدة فلم أرَ أذل من مقاساة جار السوء؛ وشيدت البنيان لأعتز به
وأُذكر فلم أرَ شرفاً أرفع من اصطناع المعروف؛ ولبست الملابس الفاخرة فلم ألبس مثل
الصلاح؛ وطلبت أحسن الأشياء عند الناس فلم أجد شيئاً أحسن من حسن الخلق؛ وسررت
بعطايا الملوك وجوائزهم فلم أسر بشيء أعظم من الخلاص منهم.
* لما
قَتَلَ كسرى أنوشروان وزيره وصدره الأعظم بزرجمهر الفارسي لتخليه عن دين المجوسية
وانتقاله إلى دين عيسى عليه السلام، وجدوا في منطقته رقعة فيها ثلاث كلمات وهي:
إذا كان القَدَرُ حقاً فالحِرْصُ بَاطِلٌ، وإذا كان الغَدْرُ في الناس طبيعة
فالثِّقَةُ بكل أحد عَجْزٌ، وإذا كان الموت بكل الناس نازلاً فالطمأنينة إلى
الدنيا حُمْقٌ.
* لما
توسم المهلب النجابة في ابنه يزيد وهو صغير أراد أن يختبره، فقال له: يا بني ما
أشد البلاء؟ قال: يا أبت مُعَادَاةُ العُقلاءِ، ثم قال: اقلني قال: قد أقلتك فقل:
فقال: أشد البلاء تَأْمِيرُ اللُّؤَماءِ على الكُرَماءِ، ثم قال: أقلني قال: قد
أقلتك فقل: فقال: أَشَدُّ الْبَلاَءِ مُعادَاةُ العُقَلاَءِ وَمَسْألةُ
الْبُخَلاَءِ وتَأَمُّرُ اللُّؤَماء عَلَى الْكُرَماءِ، فقال المهلب: والله يا بني
ما يسرني بقولك مقولة لقمان، ولا يعدل عندي بقاءك ملك سليمان.
* لكل
شيء آفة، فآفة العلم النسيان، وآفة العبادة الرياء، وآفة الحياء الضعف، وآفة اللب
العُجْب، وآفة الظرف الصَّلَفُ، وآفة الجود الإسراف، وآفة الجمال التيه، وآفة
السؤدد الكبر، وآفة الحلم الذل.
* آفة
الحلم السفه، وآفة الحديث الكذب، وآفة العِبَادَةِ الفَتَرَةُ، وآفة الشجاعة
البَغْيُ، وآفة السَّمَاحَةِ الـمَنُّ، وآفة الدِّينِ الهَوَى، وآفة الحَسَبِ
الفَخْرُ.
* آفة
الملوك سوء السيرة، وآفة الوزراء خبث السريرة، وآفة الجند مفارقة القادة، وآفة
الرعية مفارقة الطاعة، وآفة الزعماء ضعف السياسة، وآفة العلماء حب الرياسة، وآفة
القضاة شدة الطمع، وآفة الشهود قلة الورع.
* أربعة
لا يزول معها مُلْكٌ: حفظ الدين، واستكفاء الأمين، وتقديم الحزم، وإمضاء العزم؛
وأربعة لا يثبت معها ملك: غِشُّ الوزير، وسوء التدبير، وخُبْثُ النية، وظُلْمُ
الرعية؛ وأربعة لا تستغني عن أربعة: الرعية عن السياسة، والجيش عن القادة، والرأي
عن الاستشارة، والعزم عن الاستخارة، وأربعة لا بقاء لها: مال يجمع من حرام، وحال
تعهد من الأيام، ورأي يعرى من العقل، ومُلْكٌ يخلو من العدل؛ وأربعة تولد المحبة:
حسن البشر، وبذل البر، وقصد الوفاق، وترك النفاق؛ وأربعة من علامات الكرم: بذل
الندى، وكف الأذى، وتعجيل المثوبة وتأخير العقوبة؛ وأربعة من علامات اللؤم: إفشاء
السر، واعتقاد الغدر، وتجنب الأخيار، وإساءة الجوار؛ وأربعة من علامات الإيمان:
حسن العفاف، والرضى بالكفاف، وحفظ اللسان، ومحبة الإخوان؛ وأربعة من علامات
النفاق: قلة الديانة، وكثرة الخيانة، وغش الصديق، ونقض المواثيق؛ وأربعة تُزال
بأربعة: النعمة بالكفران، والقوة بالعداون، والدولة بالإغفال، والحظوة بالإدلال؛
وأربعة يُترَقّى بها إلى أربعة: العقل إلى الرياسة، والرأي إلى السياسة، والعلم
إلى التصدير، والحلم إلى التوقير؛ وأربعة تؤدي إلى أربعة: الصمت إلى السلامة،
والبر إلى الكرامة، والجود إلى السيادة، والشكر إلى الزيادة؛ وأربعة تدل على وفور
العقل: حب العلم، وحسن العلم، وصحة الجواب، وكثرة الصواب؛ وأربعة تدل على نقصان
العقل: الجهل بالأعادي، والأمن للعوادي، والجفوة للإخوان، والجرأة على السلطان؛
وأربعة لا تتم إلاّ بأربعة: العلم بالحجا، والدين بالتقى، والأعمال بالنيات،
والموالاة بإخلاص الطويّات.
*وقال
حكيم آخر: ثلاث لا يستصلح فسادهن بشيء من الحيلة: العداوة بين الأقارب، وتحاسد
الأكفاء، والركاكة في العقول؛ وثلاث لا يستفاد صلاحهن بنوع من المكر: العبادة من
العلماء، والقناعة من المستبصرين، والسخاء في ذوي الأخطار؛ وثلاثة لا يشبع منها:
الحياة، والعافية، والمال؛ وثلاثة لا يستغني عنها السلطان: وزير حسن التدبير،
ومستشار نصيح، وصاحب بريد صدوق؛ وثلاث هي قوام العالم: عدل الأمراء، وصلاح
العلماء، وانقياد الرعية للرؤساء.
*وقال
قائل لأكثم بن صيفي حكيم العرب: ما السؤدد؟ قال: اصطناع العشيرة، واحتمال الجريرة،
قال: فما الشرف؟ قال: كفّ الأذى، وبذل الندى، قال: فما المجد؟ قال: حمل المغارم،
وبناء المكارم، قال: فما الكرم؟ قال: صدق الإخاء، في الشدة والرخاء، قال: فما
العز؟ قال: شدة العضد، وكثرة العدد، قال: فما السماحة؟ قال: بذل النائل، وحب
السائل، قال: فما الغنى؟ قال: الرضا بما يكفي، وقلة التمني، قال: فما الرأي؟ قال:
لُبٌّ تُعِينُهُ تَجْرِبَةٌ.
* قال
أكثم بن صيفي: من وفى بالعهد، فاز بالحمد، ومن اصطنع قوماً، انتفع بهم يوماً، ومن
فسدت بطانته كان كمن غصّ بالماء، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن حدث من لا يفقه كان
كمن قدم مائدة لأهل القبور، ومن قطع عليك الحديث فلا تحدثه، إذ ليس بصاحب أدب، ومن
عُرِفَ بالصدق قُبِلَ كَذِبُهُ، ومن عُرِفَ بالكَذِبِ لم يُقْبَلْ صِدْقُهُ، ومن
غضب بلا شيء رضي بلا شيء، ومن أظهر محاسنه ودفن مساويه كمل عقله، ومن غلب هواه
عقله افتضح، ومن استشار عدوه في صديقه أمر بقطيعته، ومن فرح بكذب الناس في الثناء
عليه بان لهم حُمقه، ومصادقة الكرام غنيمة، ومصادقة اللئام ندامة، وعِدَةُ الكريم
نَقْدٌ، وعِدَة اللئيم تَسْوِيفٌ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق