"لو كانت لديّ ست ساعات لقطع شجرة، لأمضيت الأربع ساعات
الأولى في شحذ الفأس"
الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية أبراهام لينكولن
في الهندسة القروية وحدها فقط وقفت على
الأهمية القصوى التي تكتسيها المبادئ الأساسية لتصميم وتركيب وتشغيل الأنواع المختلفة لنظم الري، وكذا الطرق الحديثة المتبعة في ترشيد استخدام مياه الري من مصدرها تحت جميع الظروف الحقلية المختلفة.
وأدركت
تمام الإدراك على أن الري هو بمثابة محاولة حثيثة من الإنسان للتدخل محليًا في الدورة الهيدرولوجية الطبيعية سعيا وراء زيادة الإنتاجية الزراعية، ولذلك صرت حذرا جدا كلما تعلق الأمر بتصميم نظام للري، لأنه ليس بالهين وليس بِلَعِبِ أطفال كما قد يتبادر
إلى أذهان بعض المتطفلين على المهنة.
وتصميم أي نظام للري يتطلب مساهمة جماعية لعدة متخصصين كل في مجاله، من الواجب
أولا وقبل كل شيء أن يكونوا أكفاء وذوي خبرة وتجربة، وتشمل هذه التخصصات عدة علوم مختلفة كعلم التربة، والمحاصيل، والبيطرة، وعلم الاجتماع، والهيدروليكا، والهيدرولوجيا، والطبوغرافيا، والطقس والمناخ، وميكانيكا التربة
والجيوتقنية، والاقتصاد وهندسة الري.
وإذا ما تم إهمال أو نسيان عنصر واحد من هذه
العناصر، فإن ذلك في النهاية قد يؤدي بالمشروع إلى الفشل أو على أضعف تقدير إلى انحرافه عن تحقيق الأهداف المتوخاة والمنتظرة منه.
وفي
أي نظام من أنظمة الري سواء كان بالتنقيط أو بالرش أو بالسريان بالجاذبية يوجد ما
يسمى ب 'مفهوم الكفاءة' Efficiency الذي من خلاله
يمكن الحكم على حسن أو سوء أنظمة الري هذه ومقارنتها ببعضها البعض، أو
مقارنة إدارات وتدابير مختلفة لأي نظام معين منها.
والكفاءة
العامة أو الكفاءة الكلية هي ناتج قسمة حجم المياه المستخدمة بكفاءة على حجم
المياه الكلية الخارجة من المصدر (غالبا ما يكون سدا)، وهذه الكفاءة العامة تتفرع
عنها ثلات كفاءات ، أولها كفاءة شبكة الري الرئيسية المكونة من مواسير ضخمة تحت
الضغط أو قنوات كبيرة بالسريان الجاذبي، وهي ناتج قسمة حجم المياه الخارجة من هذه
الشبكة على حجم المياه الداخلة إليها، ثانيها
كفاءة شبكة الري الثنائية والثلاثية، وهي ناتج قسمة حجم المياه الخارجة من
هذه الشبكة على حجم المياه الداخلة إليها، وثالثها الكفاء الحقلية وهي ناتج قسمة
حجم المياه المخزنة في جذور النباتات داخل الحقل على حجم المياه الواصلة إلى سطح
هذا الحقل.
وتبعا
لذلك فإن الكفاء العامة أو الكلية تساوي كفاءة شبكة الري الرئيسية مضروبة في كفاءة
شبكة الري الثانوية والثلاثية مضروبة في الكفاء الحقلية، ويمكن على سبيل الذكر قياس كفاءة
نظام الري من خلال تقييم نوعي حسب الجدول التالي:
وفيما يلي سوف أحاول أن أضع مماثلة nalogyA بين كفاءة نظام الري وكفاءة دولة ما، فسد المياه الذي يزود شبكة الري يماثله في الدولة بيت
المال، وشبكة الري الرئيسية يماثلها في الدولة رئيسها والمحيطون به والمقربون منه،
وشبكة الري الثانوية والثلاثية يماثلها في الدولة الحكومة والبرلمان، ونظام الري
بالحقل يماثله هلما جرا من الإدارات التابعة لعدة وزارات، والتي إن عدها المرء
السليم سوف يصاب بالدوار، وآخر ما في المطاف هي النباتات التي يماثلها في الدولة
من يسمون بالمواطنين، وهم في الواقع الذين تهوي على رؤوسهم كالمطارق الصواعق جميع
أخطاء وهفوات وتبدير بلا حسيب ولا رقيب وسوء تدبير وسرقات وخيانات الطبقات 1
و 2 و 3 السالفة الذكر.
والسؤال المطروح بالنسبة لشبكة الري كيف تضيع كل تلك
الكمية من المياه؟
فانطلاقا من السد وعلى مستوى شبكة الري الرئيسية هناك
نسبة مائوية من المياه تضيع بفعل التبخر Evaporation تحت تأثير أشعة الشمس، تليها نسبة مائوية من الارتشاح Percolation تغوص عموديا في عمق الأرض بفعل نفاذية Permeability المادة
المكونة للقناة أو الأنبوب، تليها نسبة مائوية من التسربات Leakage إثر حدوث أعطاب في شبكة الري بصورة فُجائية أو نتيجة أخطاء قاتلة في التصميم،
ويليها أخطر وأعوص مشكل وهو سرقة المياه على طول خطيط القناة أو الأنبوب الرئيسي،
وبكمية كبيرة تفوق بكثير نسب التبخر والارتشاح والتسربات مجتمعة، وعلى مستوى شبكة
الري الثانوية والثلاثية يُطرح نفس الإشكال السالف الذكر ولكن بتبخر وارتشاح أقل
وبتسربات وسرقات أكثر، غير أنه لا مقارنة بين حجم المياه المتدفقة من شبكة الري
الرئيسية وتلك المتدفقة من شبكة الري الثانوية والثلاثية، وعلى مستوى الحقل فحدث ولا حرج في تبدير وسوء
تدبير المياه بطرق أقل ما تُوصف به أنها عتيقة ومتخلفة وغير مقبولة وغير عقلانية
بثاثا.
وإذا ما تم طرح نفس السؤال فيما يخص الدولة ابتداء من
رئيسها مرورا بوزرائها وبرلمانها وانتهاء بطوابير إداراتها فمما لا شك فيه أن
المماثلة قائمة بجميع حذافيرها كشمس على
علم، لكن أم المصائب هي عندما يُدرك الجميع على أن الكفاءة الكلية للدولة سيئة جدا،
وعند هذا المستوى الخطير يتبث على أن هذه الدولة لا يجمع بين أفرادها وجماعاتها شيء
إلا تلك الرقعة الطينية الأرضية التي ولدوا بها وما انفكوا يدبون فوقها لا غير.