مَا كُنْتُ أُوثِرُ أَنْ يَمْتَدَّ بِي زَمَنِي
حَتَّى أَرَى دَوْلَةَ الأَوْغَادِ وَالسَّفَلِ
تَقَدَّمَتْنِي أُنَاسٌ كَانَ شَوْطُهُمُ
وَرَاءَ خَطْوِي لَوْ أَمْشِي عَلَى مَهَلِ
الطغرائي رحمه الله
ولا يمكن في خضم الحديث عن هذا الشاعر الكيميائي الكبير، إغفال أنه كان واحدًا من أبرز الكتاب في عهد الدولة السلجوقية (1037-1194م) حتى لُقِّبَ بألقاب عميد الدولة، والأسـتاذ، ومؤيد الدين، والمنشئ، وفخـر الآداب، وقد ظلَّ في خدمة سـلاطين السلاجقة إلـى أن تمـت ترقيتـه إلـى درجـة الـوزير فـي عهـد السلطان مسعود.
وفي شهادة عماد الدين الكاتب
(1125-1201) المؤرخ الأديب الشاعر الذي عاصر
الدولة النورية والأيوبية بحق الطغرائي التي قال فيها :"...فأما شعره فعبر
الشعرى العبور علو عبارة، وسمو استعارة، وسموق راية، وشروق آية، وتناسق مقصد
وغاية، وتناسب بداية ونهاية، وأما نثره فنثر الدراري والدُّرَرْ، ومنثورُ الزَّهَرْ،
وأما خلائقه فمفطورة على الكرم، موقورة بحسن الشِّيَم، مُتَأَرِّجَةٌ بعُرْف العُرف،
متموجة بماء اللُّطْف، مُتَبَلِّجَةٌ بنور الظُّرْفِ، متوهجة بنور الحُسْنِ، مبتهجة
بنور الْيُمْنِ" لخير دليل على استحقاق الطغرائي لقب فخر الآداب.
غير أن الرياح تأتي أحيانا بما لا تشتهيه السفن، إذ ما لبثت الأيام أن تنكرت لهذا الشاعر الكبير، لما نشب صراع عنيف -والذي كان دائما ينشب منذ فجر التاريخ وسيظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها حول الثالوث المقدس السلطة والجنس والمال- بين السلطان مـسعود وأخيــه الــسلطان محمــود، والــذي انتهــى بانتــصار الثــاني، مما أدى إلى القــبض علــى الطغرائي ليُحْكَمَ عليه بعقوبة الإعدام في نهاية الأمر، وقد اخترت من هذه القصيدة الخالدة الرائعة والتي تُرجمت إلى الفرنسية والإنجليزية الأبيات التالية:
أَصَالَةُ الرَّأْيِ
صَانَتْنِي عَنِ
الْخَطَلِ
وَحِلْيَةُ الْفَضْلِ زَانَتْنِي لَدَى الْعَطَلِ
فِيمَ
الِإقَامَةُ بِالزَّوْرَاءِ لاَ
سَكَنِي
بِهَا وَلاَ نَاقَتِي فِيهَا وَلاَ جَمَلِي
نَاءٍ
عَنِ الأَهْلِ صِفْرُ الكَفِّ
مُنْفَرِدٌ
كَالسَّيْفِ عُرِّيَ مَتْنَاهُ
مِنَ
الْخَلَلِ
فَلاَ
صَدِيقَ إِلَيْهِ مُشْتَكَى
حَزَنِي
وَلاَ أَنِيسَ إ ِلَيْهِ
مُنْتَهَى جَذَلِي
أُرِيدُ
بَسْطَةَ كَفٍّ أَسْتَعِينُ
بِهَا
عَلَى قَضَاءِ
حُقُوقٍ
لِلْعُلاَ قِبَلِي
وَالدَّهْرُ
يَعْكِسُ آمَالِي وَيُقْنِعُنِي
مِنَ الْغَنِيمَة ِ بَعْدَ الْكَدِّ بِالْقَفَلِ
حُبُّ السَّلاَمَةِ
يُثْنِي عَزْمَ صَاحِبِهِ
عَنِ الْمَعَالِي
وَيُغْرِي الْمَرْءَ بِالْكَسَلِ
إِنَّ
الْعُلاَ حَدَّثَتْنِي وَهْيَ
صَادِقَةٌ
فِيمَا تُحَدِّثُ
أَنَّ الْعِزَّ فِي النُّقَلِ
لَوْ كَانَ فِي شَرَفِ الْمَأْوَى بُلُوغُ
مُنىً
لَمْ
تَبْرَحِ ا لشَّمْسُ يَوْماً دَارَةَ الْحَمَلِ
أُعَلِّلُ
النَّفْسَ بِالآمَالِ
أَرْقُبُهَا
مَا أَضْيَقَ اْلعَيْشَ لَوْلاَ فُسْحَةُ الأَمَلِ
لَمْ
أَرْتَضِ الْعَيْشَ وَالأَيَّامُ
مُقْبِلَةٌ
فَكَيْفَ أَرْضَى وَقَدْ وَلَّتْ عَلَى عَجَلِ
غَالَى
بِنَفسِيَ عِرْفَانِي
بِقِمَتِهَا
فَصُنْتُهَا عَنْ رَخِيصِ
الْقَدْر
ِ مُبْتَذَلِ
مَا
كُنْتُ أُوثِرُ أَنْ يَمْتَدَّ بِي زَمَنِي
حَتَّى أَرَى دَوْلَةَ الأَوْغَادِ وَالسّفَلِ
تَقَدَّمَتْنِي أُنَاسٌ
كَانَ شَوْطُهُمُ
وَرَاءَ خَطْوِي لَوْ أَمْشِي عَلَى مَهَلِ
هَذَا
جَزَاءُ امْرِئٍ أَقْرَانُهُ دَرَجُوا
مِنْ قَبْلِهِ فَتَمَنَّى فُسْحَةَ
الأَجَلِ
وَإِنْ عَلاَنِي مَنْ دُونِي
فَلاَ عَجَبٌ
لِي إِسْوَةٌ بِانْحِطَاطِ الشَّمْسِ عَنْ
زُحَلِ
فَاصْبِرْ
لَهَا غَيْرَ مُحْتَالٍ وَلاَ ضَجِرٍ
فِي حَادِثِ الدَّهْرِ مَا يُغْنِي عَنِ الْحِيَلِ
أَعْدَى
عَدُوِّكَ أَدْنَى مَنْ وَثِقْتَ بِهِ
فَحَاذِرِ النَّاسَ وَاصْحَبْهُمْ عَلَى دَخَلِ
فَإنَّمَا رَجُلُ
الدُّنْيَا وَوَاحِدُهَا
مَنْ لاَ يُعَوِّلُ فِي الدُّنْيَا عَلَى رَجُلِ
وَحُسْنُ ظَنِّكَ
بِالأَيَّامِ مَعْجَزَةٌ
فَظُنَّ شَرّاً وَكُنْ مِنْهَا
عَلَى وَجَلِ
غَاضَ
الْوَفَاءُ وَفَاضَ الْغَدْرُ وَانْفَرَجَتْ
مَسَافَةُ الْخُلْفِ بَيْنَ الْقَوْل
ِ وَاْلعَمَلِ
وَشَانَ صِدْقَكَ عِنْدَ النَّاسِ
كِذْبُهُمُ
وَهَلْ
يُطَابَقُ
مُعْوَجٌّ
بِمُعْتَدِلِ
إِنْ كَانَ يَنْجُعُ شَيْءٌ
فِي ثَبَاتِهِمُ
عَلَى الْعُهُودِ فَسَبْقُ
السَّيْفِ لِلْعَذَلِ
يَا وَارِداً سُؤْرَ عَيْشٍ
كُلُّهُ كَدَرٌ
أَنْفَقْتَ
صَفْوَكَ
فِي أَيَّامِكَ الأُوَّلِ
فِيمَ اقْتِحَامُكَ لُجَّ
اْلبَحْرِ تَرْكَبُهُ
وَأَنْتَ يَكْفِيكَ
مِنْهُ
مَصَّةُ
الْوَشَلِ
مُلْكُ
الْقَنَاعَةِ لاَ يُخْشَى عَلَيْهِ وَلاَ
يُحْتَاجُ فِيهِ إِلىَ الأَنْصَارِ وَالْخَوَلِ
تَرْجُو
الْبَقَاءَ بِدَارٍ لاَ ثَبَاتَ لَهَا
فَهَلْ سَمِعْتَ بِظِلٍّ غَيْرَ مُنْتَقِلِ
وَيَا
خَبِيراً عَلَى الأَسْرَارِ مُطَّلِعاً
أُصْمُتْ
فَفِي الصَّمْتِ مَنْجَاةٌ مِنَ الزَّلَلِ
قَدْ رَشَّحُوكَ لِأَمْرٍ إِنْ
فَطِنْتَ بِهِ
فَارْبَأْ بِنَفْسِكَ أَنْ تَرْعَى
مَعَ الْهَمَلِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق