لا تَظلِمَنَّ إِذَا مَا كُنْتَ مُقْتَدِراً فَالظُّلْمُ مَرْتَعُهُ يُفْضِي إِلَى النَّدَمِ
تَنَامُ عَيْنُكَ وَالْمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ يَدْعُو عَلَيْكَ وَعَيْنُ اللهِ لَمْ تَنَمِ
فَلاَ تَعْجَلْ عَلَى أَحَدٍ بِظُلْمٍ فَإِنَّ الظُّلْمَ مَرْتَعُهُ وَخِيمُ
وَلاَ تُفْحِشْ وَإِنْ مُلِّئْتَ غَيْظًا عَلَى أَحَدٍ فَإِنَّ الْفُحْشَ لَوْمُ
وَلا تَقْطَعْ أَخاً لَكَ عِنْدَ ذَنْبٍ فَإِنَّ الذَّنْبَ يَغْفِرُهُ الْكَرِيمُ
وَلَكِنْ دَارِ عَوْرَتَهُ بِرَقْعٍ كَمَا قَدْ يُرْقَعُ الْخَلِقُ الْقَدِيمُ
وَلاَ تَجْزَعْ لِرَيْبِ الدَّهْرِ وَاصْبِرْ فَإِنَّ الصَّبْرَ فِي الْعُقْبَى سَلِيمُ
فَمَا جَزَعٌ بِمُغْنٍ عَنْكَ شَيْئًا وَلاَ مَا فَاتَ يُرْجِعُهُ الْهُمُومُ
ويقول أبو العتاهية في الظلم:
أَمَا وَاللهِ إِنَّ الظُّلْمَ لَوْمُ وَمَا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ
إِلَى دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضِي وَعِنْدَ اللهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ
سَتَعْلَمُ فِي الْحِسَابِ إِذَا الْتَقَيْنَا غَداً عِندَ الإِلَهَ مَنِ الْمَلُومُ
تَلُومُ عَلَى السَّفَاهِ وَأَنْتَ فِيهِ أَجَلُّ سَفَاهَةً مِمَّنْ تَلُومُ
وَتَلتَمِسُ الصَّلاَحَ بِغَيْرِ حِلْمٍ وَإِنَّ الصَّالِحِينَ لَهُمْ حُلُومُ
تَنَامُ وَلَم تَنَمْ عَنْكَ الْمَنَايَا تَنَبَّهْ لِلْمَنِيَّةِ يَا نَؤُومُ
تَمُوتُ غَداً وَأَنْتَ قَرِيرُ عَيْنٍ مِنَ الْغَفَلاَ تِ في لُجَجٍ تَعُومُ
لَهَوْتَ عَنِ الفَنَاءِ وَأَنْتَ تَفْنَى وَما حَيٌّ عَلَى الدُّنْيَا يَدُومُ
تَرُومُ الْخُلْدَ فِي دَارِ الْمَنَايَا وَكَمْ قَدْ رَامَ غَيْرُكَ مَا تَرُومُ
سَلِ الأَيَّامَ عَنْ أُمَمٍ تَقَضَّتْ سَتُخْبِرُكَ الْمَعَالِمُ وَالرُّسُومُ
وجاء في الأمثال السائرة: "الظلم مرتعه وخيم"، أي أن عاقبته مذمومة، وجُعِلَ للظلم مرتعاً لتصرف الظالم فيه، ثم جُعِلَ المرتع وخيماً لسوء عاقبته إما في الدنيا وإما في العُقْبَى، وفي الحديث النبوي الشريف ما يجري مجرى الأمثال السائرة أن الرسول (ص) قال: "الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وفي اختلاط القوم وتساويهم في الفساد ظاهراً وباطناً تقول العرب: ظلة الغنم عبيثة واحدة، وذلك إذا لقي الغنم غنماً أخرى فاختلط بعضها ببعض.
وفي أمثال العرب عن الظلم والبغي والمكر الكثير، ومن ذلك قولهم: "أظلمُ من حية" لأن الحية تجيء إلى جُحْرِ غيرها فتدخله وتغلبه عليه، وكذلك قولهم: "أظلمُ من أفعى"، ويُقال: "إنك لتظلمني ظلمَ الأفعى"، وفي ذلك قال الشاعر:
وَأَنْتَ كَالأَفْعَى الَّتِي لاَ تَحْتَفِرْ ثُمَّ تَجِيءُ سَادِرَةً فَتَنْجَحِرْ
وقد كثرت أمثال العرب وأشعار الشعراء أيضا بظلم الذئب، ومن ذلك قولهم: "أظلمُ من الذئب"، و "من استرعى الذئبَ ظلم"، و "مستودع الذئبِ أظلمُ"، و "كافأهُ مكافأةَ الذئبِ".
قال الميداني: وأما ما جاء في أشعارهم فحكى ابن الأعرابي أن أعرابياً ربى بالبادية ذئباً فلما شب افترس شاة له، فقال الأعرابي:
فَرَسْتَ شُوَّيْهَتِي وَفَجَعْتَ طِفْلاً وَنِسْوَاناً وَأَنْتَ لَهُمْ رَبِيبُ
نَشَأْتَ مَعَ السِّخَالِ وَأَنْتَ طِفْلٌ فَمَا أَدْرَاكَ أَنَّ أَبَاكَ ذِيبُ
إِذَا كَانَتِ الطِّبَاعُ طِبَاعَ سُوءٍ فَلَيْسَ بِمُصْلِحٍ طِبَاعاً أَدِيبُ
وقال آخر:
وَأَنْتَ كَجَرْوِ الذِّئْبِ لَيْسَ بِآلِفٍ أَبَى الذِّئْبُ إِلاَّ أَنْ يَخُونَ وَيَظْلِمَا
أما قولهم: "أظلم من الليل" فهذا يراد به الظلمة، وإن قال بعضهم: هذا شاذ أن يبنى أفعل التفضيل من الإظلام، وليس كما ظن، فإن ظلم يظلم ظلمة لغة في أظلم إظلاماً، وإذا صح هذا فالبنى وقع على سمته وقاعدته.
وإنما نُسب إلى الظلم لأنه يستر السارق وغيره من أهل الريبة، وقولهم: "كالأرقم إن يقتل ينقم، وإن يترك يلقم"، يعني إن قتلته كان له من ينقم له منك وإن تركته قتلك.
وقولهم في الانتصار من الظلم: "هذه بتلك والبادئ أظلم"، ومنه: "من لم يذد عن حوضه يُهَدَّمْ"، وهذا المثل مأخوذ من قول الشاعر زهير بن أبي سلمى:
وَمَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاحِهِ يُهَدَّمْ وَمَنْ لاَ يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَمِ
وقولهم في الظلم ترجع عاقبته على صاحبه: "من حفر مغواة وقع فيها"، والمغواة هي البئر تحفر للذئاب ويجعل فيها جدي لِيَصِيدَهُ فيُصْطَادُ، ومنه قولهم: "من حفر حفرة لأخيه وقع فيها"، وفي أمثال العامة: "مَنْ ظَلَمَ لاَ بُدَّ يُظْلَمُ"، وفي ذلك قال صالح بن عبد الله بن مغفل:
وَمَا مِنْ يَدٍ إِلاَّ يَدُ اللهِ فَوْقَهَا وَلاَ ظَالِمٍ إِلاَّ سَيُبْلَى بِظَالِمِ
إن دعاء المظلوم يستجيب له الله سبحانه، فلا تظلم عباد الله حتى لا تعرض نفسك لدعاء المظلومين، فينتقم منك الجبار القوي القهار العظيم، ويرحم الله الإمام علي كرم الله وجهه لما قال:
أَدِّ الأَمَانَةَ وَالْخِيَّانَةَ فَاجْتَنِبْ وَاعْدِلْ وَلاَ تَظْلِمْ يَطِبُ الْمَكْسَبُ
وَاحْذَرْ مِنَ الْمَظْلُومِ سَهْماً صَائِباً وَاعْلَمْ بِأَنَّ دُعَاءَهُ لاَ يُحْجَبُ
ويحذر ابن الوردي من دعوات المظلومين في الأسحار فيقول:
إِيَّاكَ مِنْ عَسْفِ الأَنَامِ وَظُلْمِهِمْ وَاحْذَرْ مِنَ الدَّعَوَاتِ فِي الأَسْحَارِ
وَإِنِ ابْتُلِيتَ بِزَلَّةٍ وَخَطِيئَةٍ فَانْدَمْ وَباَدِرْهَا بِالاسْتِغْفَارِ
وَاسْأَلْ إِلَهَكَ عِصْمَةً وَحِمَايَةً فَالسَّيِّئَاتُ قَوَاصِفُ الأَعْمَارِ
وفي السنة النبوية أن النبي (ص) قال: "اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ".
وإذا كان الظلم بكل أشكاله قبيح فإن الشرك بالله أعظمه وأكثره خطراً وأبلغه ضرراً، فلا تشرك بالله تهلك، ويحبط عملك، وفي الذكر الحكيم فيما حكاه الله عن لقمان الحكيم: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} الآىية 13 من سورة لقمان، ولقد خاطب الله نبيه الكريم:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الآية 65 من سورة الزمر.
وإذا كان الظلم كله سيئ فإن من أسوء الظلم ظلم القرابة، فهو يدل على الخساسة والنذالة والدناءة وفي ذلك قول الشاعر طرفة بن العبد:
وَظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً عَلَى الْمَرْءِ مِنْ وَقْعِ الْحُسَامِ الْمُهَنَّدِ
سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تَبِعْ لَهُ بَتَاتاً وَلَمْ تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعِدِ
وقالت امرأة من بني عبد قيس تعض ابنها العاق (مسخوط الوالدين) الملقب بالنحيف:
حَذَارِ بُنَيَّ الْبَغْيَ لاَ تَقْرَبَنَّهُ حَذَارِ فَإِنَّ الْبَغْيَ وَخِمٌ مَرَاتِعُهُ
وَعِرْضُكَ لاَ تُبَذِّلْ بِعِرْضِكَ إِنَّنِي وَجَدْتُ مُضِيعَ العِرْضِ تُلْحَى طَبَائِعُهُ
وَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا الدَّهْرَ غَادِراً بَاغِيّاً بِمَنْزِلَةٍ ضَاقَتْ عَلَيْهِ مَطَالِعُهُ
وإذا كان الظلم يعني وضع الشيء في غير موضعه، فان عواقبه ذميمة وخيمة، وجاء في الحديث القدسي: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا)، وجاء في حديث آخر أن النبي (ص) قال: "اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وجا في شعر الحكمة للإمام الشافعي رحمه الله:
إِذَا مَا ظَالِمٌ يَسْتَحْسِنُ الظُّلْمَ مَذْهَباً وَلَجَّ عُتُوّاً فِي قَبِيحِ اكْتِسَابِهِ
فَكِلْهُ إِلَى صَرْفِ اللَّيَالِي فَإِنَّهَا سَتُبْدِي لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِ
فَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا ظَالِماً مُتَمَرِّداً يَرَى النَّجْمَ تِيهاً تَحْتَ ظِلِّ رِكَابِهِ
فَعَمَّا قَليلٍ وَهُوَ فِي غَفَلاتِهِ أَنَاخَتْ صُرُوفُ الْحَادِثاتِ بِبَابِهِ
فَأَصْبَحَ لاَ مَالٌ وَلاَ جَاهٌ يُرتَجَى وَلاَ حَسَنَاتٌ تَلْتَقِي فِي كِتَابِهِ
وَجُوزِيَ بِالأَمْرِ الَّذِي كَانَ فَاعِلاً وَصَبَّ عَلَيْهِ اللهُ سَوْطَ عَذَابِهِ
وجاء في كتاب الأمثال لابن سلام، في فصل جامع أمثال الظلم وأنواعه، باب المثل في الظلم وما يخاف من غبه، قال أبو عبيدة: من أمثالهم في كراهة الظلم قولهم: الظلم مرتعه وخيم، وقال الأصمعي: أصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وجاء في بعض الحديث: "أنَّ الظلم هو الظلمات يوم القيامة " وفي حديث آخر " أنَّ عيسى بن مريم عليه السلام قال للحواريين: " لا تضعوا الحكمة في غير أهلها فتظلمون، ولا تمنعوا أهلها فتظلموهم"، ومن الأمثال في الظلم أيضاً: "من أشبه أباه ما ظلم"، ومن الظلم أيضا ادعاء الباطل والحكم قبل أن تعرف حجة الخصم، وجاء في كتاب أدب الدنيا والدين للعالم العلامة الماوردي: "إِنَّ العَدْلَ مِيزَانُ اللهِ الَّذِي وَضَعَهُ لِلْخَلْقِ وَنَصَّبَهُ لِلْحَقِّ، فَلاَ تـُخَالِفْهُ فِي مِيزَانِهِ، وَلاَ تُعَارِضْهُ فِي سُلْطَانِهِ".