أديب الفقراء تشارلز ديكنز

"أَكْثَرُ شَيْءٍ مُحْزِنٍ هُوَ أَنْ تَشْعُرَ بِالْخِزْيِ مِنْ وَطَنِكَ" تشارلز ديكنز
أديب الفقراء تشارلز ديكنز

يعتبر الروائي والناقد الاجتماعي والكاتب البريطاني تشارلز ديكنز (1812-1870) أعظم روائي في العصر الفيكتوري إبان حكم الملكة فكتوريا (1837 – 1901)، إذ منذ كتاباته المبكرة أصبح مشهورًا للغاية، ثم ما لبثت أن ازدادت شعبيته باطراد مع توالي منشوراته ومؤلفاته.
كانت التجربة الفريدة والمدهشة لطفولته مفتاح عبقريته، وذلك قبل فترة وجيزة من سجن والده بسبب تراكم الديون عليه، تم تشغبله وهو لم يتجاوز سن العاشرة في أشغال وسخة ومضنية لما يقارب السنة لسد رمقه، وعلى الرغم من عودته إلى المدرسة لبضع سنوات، إلا أن تعليمه ظل سطحيًا، وتُعزى ثقافته الواسعة والمتنوعة بالأساس إلى عصاميته وصبره ومثابرته ومجهوداته الشخصية.

أصدر ديكنز أولى رواياته الأدبية والتي كانت بعنوان مذكرات بكوك والتي لاقت نجاحا ً منقطع النظير، وقام بتأسيس عدة صحف أسبوعية، وألف خمسة عشر رواية كبرى، وخمس روايات صغرى، ومئات القصص القصيرة والمقالات حول المواضيع الأدبية أو الاجتماعية، دفعه شغفه بالمسرح إلى كتابة وتوجيه المسرحيات والتمثيل الكوميدي والقيام بقراءات عامة لأعماله التي سرعان ما أصبحت تحظى بشعبية كبيرة في بريطانيا والولايات المتحدة.
من أشهر أعماله: أوقات عصيبة، ترنيمة عيد الميلاد، دافيد كوبرفيلد، أوليفر تويست، قصة مدينتين، آمال تفوق التوقعات، دمبي وولده، وتعتبر رواية الآمال العظيمة التي نُشرت عام 1861 من أشهر رواياته التي داع صيتها عالمياً وتُرجمت لعدة لغات، بحيث أصبحت محط اهتمام السينمائيين والمخرجين العالميين الذين صنعوا منها أكثر من 250 عمل مسرحي وتلفزيوني.
كان تشارلز ديكنز مدافعًا بلا هوادة عن حقوق الأطفال والتعليم للجميع ووضع المرأة والعديد من القضايا الأخرى، بما في ذلك قضية البغايا.
لاقى شالر ديكنز قبولا وتقديرا كبيرين من طرف القراء حول العالم لأعماله المتميزة نظرا لروح الدعابة البارعة التي كانت لديه ولسخريته اللاذعة من التقاليد والعادات التي كانت تسود المجتمع.
يحكي الأديب الكاتب والشاعر المصري محمد رجب البيومي رحمه الله في مؤلفه طرائف ومسامرات عن قصة حياة تشارلز ديكنز قائلا: كان والده فقيرا لا يجد قوت يومه إلا بشق الأنفس، وكان يتبعه ولده من خلفه يوميا إلى عمله الشاق، ويمران على قصر فخم لأحد الأثرياء الكبار، تحيط به حديقة ذات أشجار وزهور ومياه، فينظر الطفل منبهرا لما يراه، ويقول لوالده: لماذا نسكن بيتنا المظلم، ولا نسكن هذا القصر يا أبي؟ فيبتسم الوالد في مرارة ويقول لولده: سوف نسكنه حينما تكبر يا بني، فيقول الطفل: ولماذا لا نسكنه الآن؟ فيرد الوالد في أسى: القصر لا يسكنه إلا الكبار.
وازدادت حالة الطفل سوءاً لأن أباه قد سُجن، وانضم الطفل إلى مسكن امرأة عجوز تَحَمَّلته على مضض، وأخذ في سن العاشرة يعول نفسه، ولا يكسب غير ما يأتي بثمن الخبز والجبن، وأحيانا الخبز فقط، وقد قال شارل ديكنز عن ذلك: لولا رحمة الله لصرت لصا، لأن الجوع كان يقطع أحشائي وأنا أتسكع في الطرقات، فأحلم بالسرقة، ثم تُدْرِكُنِي رحمة الله فَأَجْبُنُ.
ويخرج والده من السجن، فيلتحق الطفل بالمدرسة ويتعلم بضع سنوات، ولكنه يشتغل ليلا بالعمل في إحدى الصحف، وكان خلال ذلك يقرأ ما يقوم بطبعه، ويستشعر تقدما مطردا في تعلمه، ثم ما لبث أن ظهر نبوغه، فألف القصص الجميلة، ونشرها تباعا مسلسلة، فحازت قبول القراء، وجمع مقالاته في كتب، وتفرغ للقصة الطويلة، وبعد سنوات سار من أعلام الأدب الإنجليزي في عصره.
كان تصوير الطبقات الكادحة وما تعانيه من إرهاق الجوع، وتشرد الطريق وبؤس المرض سرا من أسرار نبوغه وبراعته، مع فكاهة مريرة يغتصبها اغتصابا لترفه عن القارئ.
وحين تدفق المال بين يديه، جعل همه في أن يشتري القصر الذي وعده والده أن يكون صاحبه، وكان مالكه قد مات، وتنازع الورثة فيما بينهم، فأرادوا البيع ليحصل كل وارث على حقه دون شريك، وكان ديكنز سخيا، لأنه لم يرد أن يفلت الحلم من بين يديه، وبين عشية وضحاها أصبح القصر ملكا له، ولكنه كان يعض على شفتيه متألما، فيقول له صديقه: لقد تحقق حلمك، فلماذا تتأسف؟ فيرد ديكنز: كنت أوثر أن أجد أبي معي اليوم ليكون صاحب القصر الأول، ثم يتساءل: هل يعلم ذلك في مَلَئِهِ الأعلى؟ لو علم لاسترحت كثيرا.. كثيرا.

من أقوال تشالز ديكنز المشهورة:

- الألم هو أقوى الدروس.
-حتى أضخم الأبواب مفاتيحها صغيرة.
-القلب المحب أصدق درجات الحكمة.
-نحن نقوم بصناعة الأغلال التي نرتديها.
-يبدأ الإحسان في البيت، وتبدأ العدالة عند الجار.
-أنا لا أطلب غير الحرية.. أن أكون حرا كالفراش.
- أكثر شيء محزن هو أن تشعر بالخزي من وطنك.
-لم تختر بداية الحكاية، لكن كن مؤمنا أنك لن تتكرر.
- هناك أوتار في قلب الإنسان من الأفضل له ألاّ تهتزّ أبداً.
- فليكن عندك قلب لا يقسو، ومزاج لا يمل، ولمسة لا تُجرح.
- لا تخشى الرفض، فمن يرفضك بصدق أفضل ممن يقبلك كاذباً.
-العقول مثلها مثل الأجسام غالبا ما تسوء حالتها جراء الراحة الزائدة.
-لا يوجد ما هو أكثر قوة وأمانا لمواجهة طوارئ الحياة من الحقيقة المجردة.
- ليس من طبيعتي أن أخفي أي شيء عمن أتعلق بهم، فلا أستطيع أبدا أن أغلق فمي حيث فتحت قلبي.
- لا أستطيع أن أجلس تحت سلطة رجل دين يذكر فضله كرجل دين، كما لو كان قد أخذ تذكرة ذهاب وعودة للجنة.
- لا تكسر أبداً أحد هذه الأربع في حياتك: الثقة، العلاقة، الوعود والقلوب، لأنها إذا كُسرت لا تصدر صوتاً بل الكثير والكثير من الألم.
- كنتُ في غايةِ التعاسةِ إذ أنَّ مَنْ يُحبُّني لا يستطيع أن يُبدِيَ لي حبَّه، أما مَن يكرَهُني فإنهُ يُظْهِرُ لي هذا الكُرْهَ بمختلَفِ الطرُق، من أجل هذا كنتُ أقضي معظمَ الوقتِ في حجرتي أطالعُ وأنا ملتفٌّ بالأغطية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق