المسؤولية أمانة وتكليف لا مكانة وتشريف

"الْمَسْؤُولِيَّةُ حُرِّيَّةٌ.. الْعَبِيدُ إِذَا وَصَلُوا إِلَى السُّلْطَةِ حَوَّلُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَى عُبُودِيَّةٍ وَاسْتِعْبَادٍ وَعَبِيدٍ.. رَجُلُ السُّلْطَةِ الْحَقِيقِي هُوَ الرَّجُلُ الْحُرُّ، وَالْحُرُّ لاَ يَسْتَعْبِدُ.. الْحُرُّ يُحَرِّرُ" الشاعر السوري اللبناني أدونيس

المسؤولية أمانة وتكليف لا مكانة وتشريف
في دراسة طريفة من نوعها حول المدراء قام  بها باحثون هولنديون ونشرت في دورية "الإدارة"، تم التوصل إلى نتيجة غير منتظرة، بحيث خلصت هذه الدراسة إلى  أنه كلما جلس الموظف بعيدا عن مديره فإنه يشعر براحة أكبر ويقوم بالعمل بنوعية وبجودة أفضل بعيدا عن التسرع والنرفزة و'كور واعط للأعور'، وخلصوا أيضا على أن الجلوس بالقرب من المدير يصيب الموظفين بعدوى سوء السلوك خصوصا إذا كان المدير سيء الطبع والخلق ولا يلفظ لسانه غير العقارب والأفاعي من وسخ الكلام النابي. 
وعلى المرء أن لا ينتظر شيئا آخر عند الكثير من المسؤولين و المدراء إلا من رحم ربك ونور قلبه وبصيرته ووهبه الكثير من الصبر والأناة وحسن الخلق والقناعة، وهذا السلوك المرضي ينعكس سلبا على جودة العمل ونوعيته عند الموظفين، وأوضحت الدراسة على  أن المسافة بين المسؤولين والمدراء وبين الموظفين العاملين تحت إشرافهم هي العامل الأساسي الذي يحدد مدى انتقال سلوك المسؤولين والمدراء السيء إلى موظفيهم، وقال 'غايز فان هاولينغين' الباحث في كلية الإدارة بجامعة روتردام في هولندا إن تأثير القرب من المسؤول أو المدير يؤثر بشكل أكبر من البعد عنه أو السماع به.
وأظهرت خمس تجارب أجريت بهدف تحديد ما إذا كان الموظفون في المراكز الوسطى بين المدراء والموظفين، يستنسخون طرق معالجة المدراء للأمور أو يبتعدون عنها بحسب قربهم أو بعدهم عنهم، وفي التجارب الخمس وهي محور الدراسة، سُئِلَ الموظفون عن كيفية معاملة المدراء لهم ومقدار المسافة بينهم وكيف يعاملون هم أنفسهم مَن هم تحت إمرتهم، وبعد تحليل الدراسات الخمس، تبين للباحثين على أنه كلما كان الموظف قريبا من مديره فإنه يميل على الأرجح إلى تقليده كالببغاء خصوصا في السلوك السيء، وتبعا لذلك يقلده ويعامل الموظفين الأقل مرتبة منه معاملة غير لائقة وغير عادلة.
والواقع الإداري المعاش حسب تجربتي الشخصية المتواضعة بالإدارة يؤكد بما لا يدع أي مجال للشك صحة ما خلصت إليه هذه الدراسة الفريدة والطريفة من نوعها في آن واحد، فهنالك مسؤولون كبار ومدراء مؤسسات عمومية وخصوصية عَقَّدُوا رؤساء أقسام ومصالح ومكاتب يعملون تحت إمرتهم، وركبوا في بعضهم أمراضا عضالة وجد مستعصية على الشفاء نتيجة سلوكهم الخبيث والسيء والمفتقد لأدنى إمارات اللباقة والخلق والمسؤولية.
وهنالك من المسؤولين والمدراء من ورطوا الوزارات والإدارات التي أداروها أو يُديرونها في مشاكل جد مستعصية على الحل، وآخرون قذفوا بها في متاهات وبرامج ومشاريع خاطئة من أساسها طمعا في النهب واقتناص المزيد من الأموال العامة الحرام، نتيجة طمعهم وجشعهم المرضي الذي لا حدود له، ونتيجة استبدادهم برأيهم وجهلهم وعدم إنصاتهم لأي رأي مخالف لآرائهم، ويعتبرون كل ما يصدر عنهم  هو الصواب الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه، إلا أن  سوءاتهم بادية للعيان. 
وللأسف الشديد أن البعض من هؤلاء المسؤولين والمدراء المستبدين من راكموا ثروات ضخمة من بعدما ولجوا الإدارة حفاة عراة لا يمكلون حتى 'سبرديلة خانزة' (حذاء رياضي نتن)، وأصبحوا من أصحاب الملايير المقنطرة والموجهة والمخفاة بطرق ماكرة لوضع حد لأي تتبع للمسارات الملتوية لهذه الأموال، مستغلين من جهة الكثير من الثقوب التي تعتري القوانين الوضعية ومن جهة أخرى خوف وجهل من هم تحت إمرتهم من رؤساء الأقسام والمديريات والمصالح والمكاتب.
والحق يقال أن من سن في القانون الإداري  ما يسمى بالسلم الإداري يعرف جيدا أنه لا يصلح إلا لشي واحد وهو الصعود وطئا ورفسا على رؤوس من هم في أدنى السلم، أما الهبوط فتلك مشكلة أخرى، لأن معظم الذين صعدوا رفسا واستغلالا على رؤوس الآخرين حتى أعلى السلم  'تكربعوا'  أو سوف 'يتكربعون' في نهاية المطاف أي سقطوا أو سيسقطون سقوطا مدويا سمع وسيسمع دوي عظامهم نتيجة ذلك الإنس والجان، لأن دوام الحال من المحال والدايم الله... آمولى نوبة.
وأي مسؤول على أي مستوى من السلم الإداري والمنصب الذي يُضفي على صاحبه صولة ومهابة، مهما تفرعن وتجبر واستبد بسلطة السيد الكرسي المحترم الذي يُبَجِّلُهُ ويَتَزَلَّفُ وَيَتَمَلَّقُ  له الانتهازيون ذووا المصالح والأطماع، عليه أن يضع نصب أعينه بأن السيد الكرسي المحترم سوف يلفظه يوما ما لا محالة بركلة قوية على مؤخرته المهترئة والمترهلة من كثرة الجلوس ملوحا له بأرجله الأربعة 'بَايْ بَايْ مَايْ لُوفْ'.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق