الإقطاعي المتجبر والفلاح الفقير

الإقطاعي المتجبر والفلاح الفقير
وقف أحد الإقطاعيين أمام قصره الفخم القائم على ضفة نهر لا ينقطع جريانه طيلة السنة، مرسلا بصره إلى أراضيه الفلاحية الشاسعة التي تمتد إلى حد البصر، وقد بدت عليه علامات الزهو والخيلاء والتجبر، وفي هذه اللحظة بالذات لاح إليه فلاح قادم من بعيد ممتطيا ظهر حمار جميل.
أُعجب الإقطاعي بذلك الحمار الصغير وطمع في سلبه من صاحبه رغم أمواله الوفيرة التي يستطيع أن يشتري بها كل حمير الدنيا وأكثر من ذلك، فأمر خدمه وأقنانه أن يحضروا زرابي فاخرة من داخل القصر ويفرشوها على الطريق، فلما اقترب الفلاح الفقير حذره الإقطاعي قائلا:"إياك ثم إياك أن تطأ مفروشاتي الفاخرة أيها الغبي"، فغير الفلاح الفقير وجهته وسار مع حماره بين المزروعات، فصاح الإقطاعي: "ويحك! أتدوس مزروعاتي أيها الحقير؟". 
الفلاح الفقير: ألم تحذرني بأن أتجنب المرور فوق مفروشاتك الفاخرة؟ فمن أين تريدني أن أمر؟ ومع ذلك فقد كنت رفيقا بك ولم أسبب لك ضررا يُذكر،
الإقطاعي: لقد أكل حمارك من مزروعاتي، وتعويضا لي عن ذلك وعقابا لك سوف آخذ منك حمارك،
الفلاح الفقير: هذا منتهى الظلم، أفتأخذ الحمار مقابل ملء فمه من السنابل التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟
الإقطاعي: إياك أن تفتح فمك مرة أخرى أيها الحقير وإلا شكوتك إلى الملك،
الفلاح الفقير: إنني لا أستحق منك هذه المعاملة الجائرة وهذا الظلم الصُّراح البرُاَح، فماذا يتبقى لي إذا سَلَبْتَ مني حماري؟
الإقطاعي ساخرا: ألم تسمع بالمثل السائر الذي يقول: "إن الرجل الفقير لا يملك إلا إسمه"؟ فإن أخذت حمارك فسوف يبقى لك على كل حال إسمك، فليست لي أية حاجة به لأنه لا يصلح لأي شيء.
الفلاح الفقير يرد بعفوية وبسرعة: أنا أفضل أن تأخذ اسمي وتُبقي لي حماري لأني لا أستطيع العيش بدونه.
الإقطاعي: لا ترفع صوتك أيها الحقير وإلا أرسلتك إلى عالم الصمت.
الفلاح الفقير: أرسلني إلى عالم الصمت أو أي إلى أي عالم آخر إن استطعت، ولكنني لن أكف عن الصراخ والمطالبة باسترداد حماري.
فأمر الإقطاعي خدمه بأن يضربوا الفلاح الفقير، فنفذوا أوامر سيدهم وأشبعوه ضربا مبرحا حتى فقد وعيه، ثم تركوه ملقى وسط الطريق، فلما عاد إلى وعيه ذهب إلى المدينة وقدم شكاية بالإقطاعي إلى الوالي، ولما كانت شكايته فصيحة بليغة لا تشوبها شائبة، قام الوالي بسجنه وذهب إلى الملك يستشيره في أمره، فقال له الملك: "إذا كان هذا الفلاح الفقير عَذْبَ الحديث كما تقول، وتريد أن تُسْدِي لي خدمة تسرني كثيرا، فقم بسجنه واستمع لشكاويه كل يوم دون أن تجيبه على أية منها، ثم أرسل لي شكاياته مكتوبة كي أقرأها، فإني أحب العبارات الجميلة.
فقام الوالي بتنفيذ أوامر الملك، فسجن الفلاح الفقير وأخذ يستمع إلى شكاويه يوميا، ثم يقوم بكتابتها وإرسالها فورا إلى كاتب البلاط الملكي.
ولكن بالرغم من جمالية الكلمات وعذوبة ألفاظها وفصاحتها وبلاغتها وجمال تراكيبها، كان الملك غير مرتاح الضمير، فقد كانت هذه الكلمات كالسيوف الحادة التي تمزق قلبه، فما لبث أن نَفَذَ صبر الملك وأمر وَالِيَهُ على تلك المنطقة بقتل الفلاح الفقير وإسكاته إلى الأبد كما يظن كي يتخلص منه ومن شكاياته البليغة، وهو لا يدري إذا ما جن عليه الليل هل يعيش إلى الفجر.. وعند ربكم تختصمون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق