الانتهازيون هم فئة نشيطة في تسلق السلالم ببراعة متناهية لا تضاهيها إلا براعة القردة، والسلالم جمع سلم هو أصلا وسيلة للتواصل بين الأرض والسماء، ورمز للصعود نحو الأعلى وفي نفس الوقت رمز للهبوط نحو الحضيض، والسلم إما يكون مائلا أو عموديا أو حتى سلما افتراضيا كما هو الشأن بالنسبة للسلالم الإدارية ذات الأرقام المتصاعدة والمحفوظة عن ظهر قلب من طرف الموظفين، ولا يمكن للسلم أن يؤدي وظيفته إذا كان في وضع أفقي إلا في حالات جد نادرة.
وقد كان السلم حاضرا في كل مراحل التاريخ البشري وأدى وظيفتي الصعود والهبوط بين الأفراد والأمم ولا زال يؤديها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فكم من عظماء علقوا في حبال المشانق أو سقطوا سقوطا مدويا، وكم من صعاليك قفزوا إلى سدة الحكم، وكم من مماليك أبيدت وأخرى سادت، وكم من امبراطوريات أفل نجمها وأخرى سطع نجمها وبسطت نفوذها، وهذه سنة الحياة ولا تبديل لسنة الله، وإنما الأيام هي دول ترفع أقواما وتضع آخرين.
ويخطئ من الناس من يظن أن السلالم صنعت للصعود فقط، ويجهل أو يتجاهل أنها تؤدي أيضا وظيفة الهبوط، فتراه أثناء صعوده يسابق الزمن ولا يكترث لما تقترف يداه من ظلم واغتصاب حقوق وغش وتدليس وخداع ومراوغة ونفاق ومداهنة، حتى إذا ما وصل أعلى السلم تراءى له الناس الذين صعد على سواعدهم أو بأصواتهم صغارا حقيرين وليسوا في مستواه كي يتواصل معهم ويستمع إلى مطالبهم ويفي بوعوده، ومن تم ببدأ المشهد الثاني من المسرحية حيث الاستفراد بالسلطة واستغلال النفوذ والجشع والاغتناء اللامشروع وتكوين الأحلاف ذات المصالح المشتركة وفي الأخير تضييع الأمانة، حفطنا الله وإياكم من الانتهازية و الهبوط الاضطراري السريع إثر سقوط مدو وما ينجم عن ذلك من تبعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق