أمثال شعبية مغربية 15

أمثال شعبية مغربية 15
اللِّي تَبْغِي تْعَاشْرُو زَيَّنْ لُو فِي مَا يْدِيرْ
من أردت معاشرته من الناس يجب عليك أن تنافقه نفاقا جميلا وتزين له كل أفعاله  (زَيِّنْ لُو فِي مَا يْدِيرْ) حتى هفواته وزلاته وأخطائه من كذب وظلم وغش وأكل سحت وخيانة أمانة، وأن لا تنتقده أبدا كي تطول عشرتك معه، وإلا تفارقتما في جو يمطر بزمهرير من الشتم والسب واللعن والطعن، إن لم يتطور الأمر إلى الأسوأ وينتهي بالضرب والجرح الذي قد يُفضي إلى القتل.
وُلْدْ   بْنَادَمْ   لاَ   تْرَبِّيهْ      بَعْدْ   مَا   تْرَبِّيهْ   نَادَمْ
يَا السَّايَلْنِي عْلَى الْغُولْ      الْغُولْ     هُوَ    بْنَادَمْ
من طبع بني آدم منذ الأزل الغدر والانتقام والدم ونكران الجميل، وكما جاء في أمثال شعبية مغربية 10 "كل مَا يْجِي مَنْ القِبْلَة مْلِيحْ، مَنْ غِيرْ بْنَادَمْ والرِّيحْ"، أو كما جاء في أمثال شعبية مغربية 8  "كُونْ كَانْتْ الشْتَا فِي يَدّْ بْنَادَمْ يَسْقِي أَرْضُو وِيخَلِّي خُوهْ نَادْمْ"، أو كما قال بعض الشعراء:
وَإِخْوَا نٌ   حَسِبْتُهُمْ    دُرُوعاً       فَكَانُوهَا    وَلَكِنْ    لِلْأَعَادِي
وَخِلْتُهُمْ    سِهَاماً    صَائِبَاتٍ       فَكَانُوهَا   وَلَكِنْ  فِي  فُؤَادِي
وَقَالُوا:  قَدْ  صَفَتْ  لَنَا قُلُوبٌ       لَقَدْ صَدَقُوا وَلَكِنْ مِنْ وِدَادِي  
الزَّمِّيطَة    عُولْتَكْ    يَا    الْمَسْكِينْ       أُو   دَرْهَمْ   لَحْلاَلْ   عْلِيهْ    تْعَوَّلْ
خَلِّي لَخْوَاجَا فْعَرْقْ المَظْلُومْ سَابْحِينْ       أُو   خَلِّي   أَعْوَانْ  إِبْلِيسْ  فَالنّْعَايْمْ
الزميطة هي أكلة شعبية في متناول الجميع مكونة بالأساس من طحين القمح والشعير والحمص بالإضافة إلى مواد أخرى متنوعة حسب المناطق خاصة منها اللوز والجوز لمن له إمكانية شرائهما، وتمتاز الزميطة بإمداداتها الطاقية المرتفعة للجسم وبطول مدة تخزبنها، لذا غالبا ما كان حجاج بيت الله الحرام فيما مضى يتزودون بها في طريقهم مشيا أو ركوبا على الخيل والجمال، والزميطة هي قوت المسكين (عُولْتَكْ يَالمَسْكِينْ)، الذي لا يعول إلا على عرق جبينه للحصول على دريهمات قليلات يسد بها رمقه، تاركا الظلمة الغشمة من الأثرياء من آكلي السحت والحرام من أعوان إبليس منعمين وسابحين في عرق هؤلاء العمال المظلومين المكظومين. 
اللِّي مَا دَارْ الخِيرْ فْرَاسُو بْحَالْ اللِّي فَالْكَاعَة مُوَضَّرْ فَاسُو
من لا يعمل الخير في نفسه أولا وقبل كل شيء (اللِّي مَا دَارْ الخِيرْ فْرَاسُو) مثله كمثل من أضاع فأسه أو مدراته في الكَاعة (بـْحَالْ 'مثل' اللِّي فَالْكَاعَة مُوَضَّرْ 'ضَيَّعَ' فاسو)، والكَاعة هي مكان لتجميع محصول الحصاد من الحبوب، والفأس أو المدراة هي أَداةٌ مصنوعة من حديدٍ أو خشبٍ على شكل أسنان المشط، كانت جد ضرورية لأجل فصل الحبوب عن التبن قبل ظهور التكنولوجيا ومكننة عمليات الحصاد، وقد ضُرِبَ مثل مماثل في أمثال شعبية مغربية 6 "دِيرْ الْخِيرْ فْدَارْكْ عَادْ شُوفْ جَارْكْ"، من يريد فعل الخير يجب عليه أولا أن يكون صادقا مع نفسه، وليبدأ بها وبمن هم من حولها ثم له بعد ذلك في أن يتصرف بخيره إن بقي له شيء زائد عن حاجته، 'وشاط الخير على زعير حتى فرقوه بالبندير'، شاط تعني زاد عن الحاجة أما زعير فهي إحدى القبائل المغربية العريقة التي تعود أصولها إلى منطقة الحجاز بالجزيرة العربية، وهي تابعة الآن حسب التقسيم الإداري للمملكة المغربية إلى جهة الرباط سلا زمور زعير، أما البندير فهو آلة إيقاعية من جلد البقر مستديرة الشكل قطرها يتراوح ما بين  40 و 50 سنتيمتر، وتوزيع الخير بالبندير هو دلالة على الغنى والسعة والكرم، لكن المثل في أصله تهكمي ويقصد العكس.
اللِّي بْغَا حُرْمَتْ دَارُو مَا يْعَاوْدْ للَنَّاسْ اخْبَارُو
من أراد حرمة عائلته عليه أن لا يكون بوقا في كل ناد يخطب بفضح أسراره وأسرار عائلته، وعليه أن يتخذ الكثمان مذهبا له في حياته حتى يتقي به شر لسانه وشرور الناس، أو كما قال الشافعي:
إِذَا  شِئْتَ  أَنْ تَحْيَا سَلِيماً مِنَ الأَذَى       وَدِينُكَ    مَوْفُورٌ   وَعِرْضُكَ   صَيِّنُ
فَلاَ   يَنْطَقِنْ   مِنْكَ   اللِّسَانُ  بِسَوْأَةٍ       فَكُلُّكَ    سَوْءَاتٌ   وَلِلنَّاسِ    أَلْسُنُ
وَعَيْنَكَ   إِنْ   أَبْدَ  تْ إِلَيْكَ   مَعَايِباً       فَصُنْهَا  وَقُلْ يَا  عَيْنُ   للِنَّاسِ  أَعْيُنُ
وَعَاشِرْ بِمَعْرُوفٍ وَسَامِحْ مَنِ اعْتَدَى       وَدَافِعْ  وَلَكِنْ   بِالَّتِي   هِيَ  أَحْسَنُ
اللِّي دَارْ الهَمَّة لَلْسَانُو رَبِّي فَالجْمَاعَة يَرْفَعْ شَانُو
من جعل للسانه همة في أن لا ينطق إلا بما هو مـُجْدٍ ومفيد ونافع للناس، رفع الله من قدره وشأنه بين الناس، وفي كل الأحوال من لجم لسانه وتحكم فيما يقول نجا، ومن أطلقه سابقا عقله وجامحا بدون كوابح هلك،  وكما جاء في أمثال شعبية مغربية 7  "كَثْرَة الَفْهَامَة كَتَرْجَعْ عْلَى مُولاَهَا بالنْدَامَة"، والفهامة هي التبجح بمعرفة كل شيء والقفز فوق الكلام، وعدم إفساح المجال للاستماع لرأي وحديث الآخرين، وغالبا ما ينتهي صاحب الفهامة نهاية مُخزية ومُهينة، وللكاتب المسرحي الروسي الكبير تولتسوي جملة قصيرة ومقتضبة لكنها قوية وعظيمة: 'لساني عدوي'.
لاَ تَامَنْ بَامْرَا إلاَ صَلاَّتْ وُالنَّارْ إلاَ عْلاَتْ وُالخِيلْ إلاَ وُلاَّتْ
خذ حذرك من المرأة ولو كانت تصلي  بالليل والنهار، كما تأخذ حذرك من النار إذا علت ففي ذلك هلاك لا محالة، وكما تأخذ حذرك كذلك من الخيل- لأنها لا تكذب- إذا وُلاَّتْ (من فعل وَلَّى) أي ارتدت إلى الخلف ففي ذلك علامة خطر واندحار وتقهقر.
مَا كَايْنْ خِيرْ فَاصْحَابْنَا وَلاَ ثِقَة فَاعْدَائْنَا
مقولة مُرَّة مرارة الحنظل للسلطان سليمان بن محمد الثالث العلوي ( 1760- 1822) رحمه الله عند إخفاقه في استرجاع مدينة سبتة، لما لم تَفِ إنجلترا بوعدها له باسترجاع هذه المدينة السليبة إلى حظيرة الوطن الأم مقابل مساعدته لها ضد نابليون بأسبانيا، الشيء الذي دفع به إلى انتهاج سياسة احترازية للمملكة تجاه أوروبا المخادعة، ويروي المؤرخ المغربي أبو العباس أحمد بن خالد الناصر الملقب بالناصري رحمه الله في مؤلفه القيم 'الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى' أن السلطان في السنوات الأخيرة من عمره سَئِمَ الحياة ومل العيش وأراد أن يتنازل عن الحكم ويترك أمر الناس لابن أخيه عبد الرحمان بن هشام العلوي رحمه الله لأنه لا يشرب الخمر ولا يزني ولا يكذب ولا يخون ولا يقدم على الدماء والأموال بلا مُوجب، ويتفرغ هو لعبادة ربه إلى أن يأتيه اليقين، فكتب خلال تلك الفترة وصيته التي جاء في مطلعها: «الحمد لله، لما رأيت ما وقع من الإلحاد في الدين واستيلاء الفَسَقَة والْجَهَلَة على أمر المسلمين...».
وصار هذا المثل الشعبي جاريا في أحاديث الناس لما أثبتت الوقائع والأحداث على مر الأزمان والعصور صدق حمولته.
الَمْرَا كَتَهْرَبْ مَنْ الشِّيبْ كِيفْ النَّعْجَة مَنْ الذِّيبْ
أي أن المرأة تهرب من الرجل الشائب هروب المعزة من الذئب، و في ذلك قال ابن المعتز قولته الطريفة والجد معبرة عن هروب النساء من الشيب:
فَظَلَلْتُ  أَطْلُبُ  وَصْلَهَا بِتَذَلُّلِ     وَالشِّيبُ يَغْمِزُهَا بِأَنْ لاَ تَفْعَلِي
وكما قال عمر بن أبي ربيعة:
رَأَيْنَ الغَوَانِي الشِّيبَ لاَحَ  بِمَفْرِقِي      فَأَعْرَضْنَ عَنِّي  بِالْخُدُودِ  النَّوَاضِرِ
وَكُنَّ  إذا  أَبْصَرْنَني  أَوْ  سَمِعْنَنِي       سَعَيْنَ  فَرَقَّعْنَ  الكُوَى بِالْمَحَاجِرِ
و كما قال علقمة الفحل:
فَإِنْ   تَسْأَلُونِي   بِالنِّسَاءِ   فَإِنَّنِي       بَصِيرٌ   بِأَدْوَاءِ   النِّسَاءِ   طَبِيبُ
إِذَا شَابَ رَأْسُ الْمَرْءِ أَوْ قَلَّ مَالُهُ       فَلَيْسَ   لَهُ   مِنْ  وِدِّهِنَّ  نَصِيبُ
يُرِدْنَ  ثَرَاءَ  الْمَالِ  حَيْثُ عَلِمْنَهُ       وَشَرْخُ الشَّبَابِ عِنْدَهُنَّ عَجِيبُ
إلاَ شَفْتِي الشَّارْفَة بَالتَّسْبِيحْ اعْرَفْهَا شِيطَانَة بَالتَّصْحِيحْ
إذا رأيت المرأة العجوز (الشارفة) تسبح بالسبحة (التسبيح) كن علي يقين على أنها شيطانة بدون شك (اعرفها شيطانة بالتصحيح)، وقد جاء ذكر ذلك في أمثال شعبية مغربية 5
لاَ تَامْنْ اللّْيَالِي فَصْحَاتْهَا      لاَ تَامْنْ العْجُوزَة فَصْلاَتْهَا
لا تأمنن الزمان وإن بدا لك صحوا مشرقا ودودا، كما لا تأمنن  المرأة العجوز في صلواتها وتسبيحها حتى لو تظاهرت لك بالنسك والتعبد والتقوى، فقد تركلك ركلة تُرسلك بها مباشرة إلى الآخرة بدون تذكرة سفر إن بدا لها منك ما يسوءها أو يسوء ابنتها (مَا كَايْنْ غِيرْ هَاكْ وَرَى، واعْطِينِي نَعْطِيكْ والباقي مجرد كلام بدون جدوى).  
يَا صَاحَبْ الْمَلْقَا لاَ بُدَّ مَنْ الْفُرْقَة لَكِنْ شْوِيَّة دْيَالْ الْخِيرْ كَايَبْقَا
يا صديق اللقاء (الْمَلْقَا) لا بد أن نفترق  (الفُرْقَة) طال الزمن أم قصر، غير أن أثر الخير ولو كان قليلا (شْوِيَّة دْيَالْ الْخِيرْ) يبقى أبدا ولا يزول (كَيَبْقَى)، أو كما جاء في أمثال شعبية مغربية 9  "اعْمَلْ خِيرَكْ وَارْمِيهْ فَبْحَرْ جَارِي إِلَى ضَاعْ عَنْدَ الْعَبْدْ مَا يْضِيعْ شِي عَنْدَ الْبَارِي"، أي اعمل الخير ثم انْسَ أنك فعلته، ولا تنتظر شكرا ولا ثناء ولا عطاء من أحد (العاطي الله)، واتبع القاعدة الربانية الأزلية: "إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق