"هذا كل ما يمكن الحصول عليه من بني آدم بعد طول انتظار: مأوى كلب كي تحرس فيلاته وسياراته" المدون
هذا المثل ينطبق في العصر الحاضر على النساء والرجال على حد سواء، ولا يقتصر على الرجال وحدهم فقط، وعليه يمكن القول الذليل في الرجال والذليلة في النساء، فكثير من الناس تجدهم جد منشرحين ومبتسمين وفي غاية البهجة والسرور مع الغرباء، غير أنهم بمجرد دخولهم إلى منازلهم تظهر على وجوههم علامات عَبَسَ من خلال تقطيب ما بين أعينهم، مُظْهِرِين بذلك أثر الحزن والتجهَّم، ومُبْدِين الاستياء وعدم الرِّضا على المحيطين بهم.
خُبْزْ حَرْفِي وُالبَسْمَة إِيدَامُو وَلاَ خْرُوفْ مَشْوِي وُعَبَسَ قُدَّامُو
خبز حرفي تعني خبز بلا مرق ولا دسم، إيدامو تعني دسمه، ويقصد المثل أن أكل الخبز وحده مع ابتسامة الـمَانِّ به تعتبر دسما له، خير من خروف مشوي يرافقه تجهم وغضب الـمَانِّ به، وكما قال أبو حيان التوحيدي "الابتسامة زكاة المروءة"، وقال أيضا الموسيقار الألماني الغني عن التعريف موزارت " لا قيمة للعطاء إذا لم ترافقه بسمة الرضى"، وكما قال أيضا الشاعر إيليا أبو ماضي:
قَالَ السَّمَاءُ كَئِبَةٌ وَتَجَهَّمَا قُلْتُ ابْتَسِمْ يَكْفِي التَّجَهُّمُ فِي السَّمَا!
قَالَ: الصِّبَا وَلَّى فَقُلْتُ لَهُ ابْتَسِمْ لَنْ يُرْجِعَ الأَسَفُ الصِّبَا الْمُتَصَرِّمَا!
******
كُلُّ مَنْ يَجْمَعُ الْهُمُومَ عَلَيْهِ أَخَذَتْهُ الْهُمُومُ أَخْذاً وَبِيلاَ
دراعة هي لباس صحراوي فضفاض يغطي كل أنحاء الجسم من العنق إلى الكعبين، ولا يُظْهِرُ البتة تضاريس الجسد، فالدنيا تشبه إلى حد ما هذا اللباس، كل واحد من أبناء آدم يلبسه ساعة ثم يترك إلى غير رجعة هذه الدراعة التي هي الدنيا ويرحل إلى دار المقر، ويُضرَب المثل أن على المرء أَلاَّ يغتر بالحياة الدنيا، وهناك مثل آخر رائع لسيدي عبدالرحمان المجذوب يؤدي نفس المعتى:
الدُّنْيَا يكَنُّوهَا نَاقَة
إِذَا عَطْفَتْ بَحْليِبْهَا تَرْوِيكْ
إِذَا عَطْفَتْ بَحْليِبْهَا تَرْوِيكْ
وإذا عَطْفَتْ مَا تْشَدّْ فِيهَا لْبَاقَة
تَتْكَفَحْ وَلُو كَانْ فِي يَدِّيكْ
تَتْكَفَحْ وَلُو كَانْ فِي يَدِّيكْ
الدنيا هي كمثل ناقة حلوب، يكنوها يطلقون عليها كنية، تتكفح تعني تتبدد وتضيع، كلمة عَطْفَتْ في عجز البيت الشعري الأول تعني حَنّت كما تَحِن الناقة على ولدها، أما كلمة عَطْفَتْ في صدر البيت الشعري الثاني فتعني انصرفت وتوارت، ومعنى المثل هو أن الدنيا كمثل ناقة إذا عطفت عليك فإنها سترويك بحليبها وإذا لم تعطف فلن ينفع معها لا المجاملة ولا اللطافة ولا حسن المعاملة، وسوف يضيع حليبها ويتبدد حتى ولو كنت على يقين تام أنك ضامنه بين يديك.
الكْفَنْ مَا فِيهْ جْيُوبْ
يضرب المثل للمغترين من المقبلين على الحياة الدنيا وكأنهم سوف يخلدون فيها إلى الأبد، ليذكرهم بأن الكفن الذي سوف يلتف حول أجسادهم عند موتهم هو كل ما سيرثون، وهو أقصى درجات العدالة الإلاهية لأنه لا توجد فيه جيوب لحمل وسخ الدنيا من أموال وذخائر.
الرِّجَالْ بِالهِمَّة أَمَّا اللَّحْيَة رَاهْ تَلْقَاهَا حَتَّى عَنْدْ العَتْرُوسْ
معادن الرجال تُعْرَفُ بمواقفها وليس بمظاهرها، أما من يحاولون مخادعة الناس بفضيلة اللحي والتدين المغشوش فعليهم أن يعلموا أن حتى العتاريس (جمع عتروس وهو ذكر المعز) التي لا تتقن شيئا آخر غير النطاح والنكاح لها هي أيضا لحي.
مَا تَقْطَعْ وَادْ حَتَّى تَظْهَرْ حْجَارُو وُمَا تَمْشِي بَاللِّيلْ حَتَّى يَطْلَعْ نْهَارُو
وُمَا تَصْحَبْ صْدِيقْ حَتَّى تَعْرَفْ خْبَارُو
على المرء في كل شأن من شؤون الحياة أن يتحرى الحقيقة بدقة قبل أن يتخذ أي قرار، حتى لا يندم على قراراته المتسرعة حيث لا ينفع الندم، وفي ذلك قال سيدي عبدالرحمان المجذوب:
لاَ تْسَرَّجْ حَتَّى تْلَجَّمْ وَاعْقُدْ عُقْدَة صْحِيحَة
لاَ تَتْكَلَّمْ حَتَّى تْخَمَّمْ لاَ تْعُودْ لِكْ فْضِيحَة
لا تسرج يعني لا تجعل السرج على الفرس قبل أن تجعل له اللجام واعقد الحزام عليه بعقدة متينة ومحكمة كي لا تنحل، ولا تتكلم في أمر قبل أن تفكر فيه جيدا وإلا رجع عليك بالفضيحة.
وُحَلْنَا مْعَ اللِّي حَبُّونَا أَمَّا اللِّي كَرْهُونَا جَعْلُوا فِينَا خِيرْ كْثِيرْ
المرء غالبا ما يعاني الأمرين من انتهازية واستغلال ونفاق من يدعون حبه وصداقته ورفقته، أما الذين يظهرون كراهيته فهم في كل الأحوال صادقون وخير من الأولين، وكم جاء في أمثال شعبية 14:
إِلَى شَفْتِيهُمْ سَوّْلُوا عْلِينَا اعْرَفْ حَاجَتْهُمْ فِينَا
إذا ظهر لك كثرة سؤال الناس عنك عشرات المرات أو حتى مئات المرات يوميا بجميع الوسائل الحديثة المتاحة، وصار اسمك مشهورا بينهمكنار على علم، فاعلم حفظك الله أنك توجد بالضبط في مكان توجد فيه مصالح جميع هؤلاء الناس، واعلم حفظك الله أيضا أنك بمجرد مغادرتك لهذا المكان لسبب طارئ من الأسباب، كالمرض أو الطرد أو التقاعد أنك ستُضحي نسيا منسيا، ولن يسأل عنك بعد ذلك أحد حتى ولو صرت خميرة حامضة تزكم الأنوف.
سَكْرَة الْمُوتْ وَلاَ مَذَلَّةْ الْقُوتْ
الإنسان الحر الأبي يفضل أن يموت ويختفي من الوجود بسرعة وإلى الأبد على أن يعيش ويعمر إلى أرذل العمر ذليلا مهدور وممتهن الكرامة، كل ذلك من أجل كسرة خبز وجرعة ماء ممرغتين في الوحل، وما أروع قول عنترة بن شداد عندما عبر عن ذلك أبلغ تعبير في قصيدته 'حَكِّمْ سُيُوفَكَ فِي رِقَابِ العُدَّلِ':
لاَ تَسْقِينِي مَاءَ الْحَيَاةِ بِذِلَّةٍ بَلْ فَاسْقِنِي بِالْعِزِّ كَأْسَ الحَنْظَلِ
مَاءُ الْحَيَاةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَنَّمِ وَجَهَنَّمُ بِالْعِزِّ أَطْيَبُ مَنْزِلِ
اللِّي تْزَوَّجْ صَاحَبْتُو وَلَّى قَرَّانْ مَنْ لِيلْتُو
من تزوج من خليلته التي كان من قبل على علاقة بها خارج إطار الزواج أصبح 'قرانا'، وقران هو مصطلح عامي قدحي يعني انتفاء الرجولة والشهامة والنخوة، لتحل محلها صفات الديوث الذي لا غيرة ولا كرامة ولا عزة نفس لديه، وكما يقول المثل الشعبي 'بَاشْ مَا قْتَلْتِي تـْمُوتْ'.
اللِّي كَانْ رَاجَلْ يِقُولْ فُمْ السّْبَعْ خَانْزْ
خَانْزْ تعني كريه الرائحة، وصاحب الفم الكريه الرائحة يسمى أَبْخَراً باللغة العربية الفصحى، وفي كل الأزمنة والأمكنة كان معظم الناس منافقين ومداهنين ومتملقين للحكام وللأقوياء، ولم يكن باستطاعة أحد منهم أن يقول كلمة حق أمام سلطان جائر، إلا في فترات مضيئة ونادرة في التاريخ الإنساني، أدى فيها أولئك الأبطال الأحرار الثمن غاليا بفقدان حياتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق