شذرات من التراث 4

- ضُرب رجل بالسياط وجُلدا جلدا قاسيا، ولم يتكلم وصبر ولم يتأوه، ولما وقف عليه بعض المشايخ وسأله: أما يؤلمك هذا الضرب الشديد؟، قال: بلى، قال: لم لا تصيح؟، فقال: إن في هؤلاء القوم الذين وقفوا علي صديقا لي يعتقد فِيّ الشجاعة والجلادة وهو يرقبني بعينه، فأخشى إن صرخت أن يذهب ماء وجهي عنده ويسوء ظني به، فأنا أصبر على شدة الضرب وأحتمله لأجل ذلك.
- سئل كلثوم بن عمرو التغلبي: لم لا تصحب السلطان على ما فيك من الأدب؟، قال: لأني رأيته يعطي عشرة آلاف من غير شيء، ويرمي من السور من غير شيء، ولا أدري أي الرجلين أكون.
- قال الجاحظ: ما غلبني أحد قط إلا رجل وامرأة، فأما الرجل، فإني كنت مارا في بعض الطريق، فإذا أنا برجل قصير بطين كبير الهامة طويل اللحية متزر بمئزر، وبيده مشط يسقي به شقه ويمشطها به، فقلت في نفسي: رجل قصير بطين ألحى، فاستزريته، فقلت: أيها الشيخ ! قد قلت فيك شعرا، فترك المشط من يده وقال: قل، فقلت:
كأنك صَعْوَةٌ في أصل حُشِّ     أصاب الحُشّ طَشٌّ بعد رَشِّ
فقال لي: اسمع جواب ما قلت، فقلت: هات، فقال:
كأنك كِنْدَرٌ في ذنب كَبْشِ     يدلدل هكذا والكبش يمشي
وأما المرأة، فكنت مارا ببعض الطرقات، فإذا أنا بامرأتين، وكنت راكبا على حمارة، فضرطت الحمارة، فقالت إحداهما للأخرى: وي !! حمارة الشيخ تضرط، فغاظني قولها واستفزني وقلت لها: إنه ما حملتني أنثى قط إلا وضرطت، فضربت بيدها على كتف الأخرى وقالت: كانت أم هذا منه تسعة أشهر على جهد جهيد.
- قال الجاحظ: رأيت بالعسكر امرأة طويلة القامة جدا، ونحن على طعام، فأردت أن أمازحها، فقلت: انزلي حتى تأكلي معنا، فقالت: وأنت، اصعد حتى ترى الدنيا.
- صعد أحد الولاة المنبر وهو يحبس ضرطة قوية فخطب وقال: إن أكرمتموني أكرمتكم وإن أهنتموني ليكونن أهون علي من ضرطتي هذه، ثم ضرط واستراح.
- قال الأصمعي: خرج قوم من قريش إلى أرضهم وخرج معهم رجل من بني غفار، فأصابهم ريح عاصف يئسوا معها من الحياة ثم سلّموا، فأعتق كل رجل منهم مملوكا، فقال ذلك الأعرابي: اللهم لا مملوك لي أعتقه ولكن امرأتي طالق لوجهك ثلاثا.
- وعن أبي عثمان الجاحظ قال: كان لي جار من أهل فارس وكان ذا لحية ما رأيت أطول منها قط، وكان طول الليل يبكي، فشدني ذات ليلة بكاؤه ونحيبه وهو يشهق ويضرب على صدره ويردد من كتاب الله تعالى، فلما رأيت ما نزل به قلت: لأسمعن هذه الآية التي قتلت هذا وأذهب لنومي، فأنصت إليه وإذا به يردد: "ويسألونك عن المحيض قل هو أذى" فعلمت أن طول اللحية لا يخلف.
- اعترض أسد قافلة فرآه رجل منهم فجثا على ركبتيه فوق الأرض فركبه الأسد، فشد القوم كلهم على الأسد وخلصوه منه وأنقذوه، فقالوا له: كيف حالك؟ قال: لا بأس علي ولكن يبدو أن الأسد خرى في سروالي من شدة خوفه مني.
- قيل لأعرابي: أتحب أن تموت امرأتك؟، فأجاب: لا، قيل: ولم؟، قال: أخاف أن أموت من الفرح.
- كان أعرابي يقول: اللهم اغفر لي وحدي، فقيل له: لو عممت بدعائك فإن الله واسع المغفرة، فقال: أكره أن أثقل على ربي.
- سمع أحد الأعراب قارئا يقرأ القرآن حتى أتى على قوله تعالى: "الأعراب أشد كفرا ونفاقا"، فقال: لقد هجانا، ثم بعد ذلك سمعه يقرأ:"ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر"، فقال: لا بأس، هجا ومدح.
- أوقد أعرابي نارا يتقي بها برد الصحراء الليلي القارس، ولما جلس يستدفئ وسرى في أطرافه الدفء، ردد مرتاحا: اللهم لا تحرمني منها لا في الدنيا ولا في الآخرة.
- وقيل لأعرابي: كيف أنت في دينك؟ فقال: أخرقه بالمعاصي وأرقعه بالاستغفار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق