كُلُّ ابْنِ آدَمَ مَقْهُورٌ بِعَادَاتٍ لَهُنَّ يَنْقَادُ فِي كُلِّ الإِرَادَاتِ
يَجْرِي عَلَيْهِنَّ فِيمَا يَبْتَغِيهِ وَلاَ يَنْفَكُّ عَنْهُنَّ حَتَّى فِي الْمَلَذَّاتِ
قَدْ يَسْتَلِذُّ اْلفَتَى مَا اعْتَادَ مِنْ ضَرَرٍ حَتَّى يَرَى فِي تَعَاطِيهِ الْمَسَرَّاتِ
معروف الرصافي رحمه الله
قال الراوي :كان يا ما كان في قديم العصر وما مضى من الأزمان، قرية عرف عن أهلها بأنهم جميعهم صم أبا عن جد، فحدث أن خرج الشيخ إبراهيم الأصم يوما ما من داره قاصدا السوق وصادف في طريقه جاره أحمد، قال إبراهيم: السلام عليكم يا أحمد، رد أحمد الأصم بنظرة متضايقة: حرام عليك يا إبراهيم والله ثم والله لقد اشتريت هذا العجل من السوق، ولدي شهود على ذلك، وتتهمني الآن بأني سرقت عجلك وخبئته في داري، فعجلك الضائع عمره ثلاثة أشهر وعجلي عمره خمسة أشهر، ونحن جيران تعرفني وأعرفك، فكيف تشك في؟ عقب إبراهيم: نعم الجو بارد ولا بد من ملابس ثقيلة، أشكرك لتنبيهي لذلك، سأرجع للدار كي ألبس الجلباب الصوفي.
عاد إبراهيم إلى داره، وطلب من امرأته الصماء أن تحضر له جلبابه الصوفي، غير أن المرأة لزمت مكانها ولم تتحرك، فقال إبراهيم: اسرعي يا امرأة..لقد تأخرت عن السوق، فردت عليه: اتقي الله يا رجل..أنا أسرق القمح وأعطيه لأمي!!.. أبعد هذه العشرة الطويلة تتهمني بالسرقة؟ فنظر إبراهيم في أنحاء الغرفة فلمح الجلباب، فأخذه وانصرف، وبدأت المرأة تبكي وتندب حظها العاثر، فسمعتها إبنتها الصماء، فهرولت عندها كي تواسيها، وسألتها: لماذا تبكي يا أمي؟، أجابت المرأة: يظهر أن أباك قد كبر في السن وبدأ يخرف..إنه يتهمني بأنني أسرق من قمحه وأعطيه لأمي..في الواقع كنت أفعل ذلك منذ عشرين سنة أما الآن فمستحيل أن أفعل ذلك..لقد هرم أبوك ولم يعد يدري ما يقول، فقبلتها الإبنة وقالت لها: الحمد لله لقد وافق أبي أخيرا على زواجي من ميلود، والفضل يرجع إليك يا أمي، فلا داعي لبكائك، فبعد الزواج سوف آتي لأزورك بين الفينة والأخرى فدار ميلود قريبة من دارنا، وسوف أُحضِر لك كل مرة هدية، فقد ظنت الإبنة الصماء أن أباها قد وافق على زواجها من حبيبها الأصم ميلود، فأسرعت إليه لتخبره، وتركت أمها تبكي وحيدة.
عاد إبراهيم إلى داره، وطلب من امرأته الصماء أن تحضر له جلبابه الصوفي، غير أن المرأة لزمت مكانها ولم تتحرك، فقال إبراهيم: اسرعي يا امرأة..لقد تأخرت عن السوق، فردت عليه: اتقي الله يا رجل..أنا أسرق القمح وأعطيه لأمي!!.. أبعد هذه العشرة الطويلة تتهمني بالسرقة؟ فنظر إبراهيم في أنحاء الغرفة فلمح الجلباب، فأخذه وانصرف، وبدأت المرأة تبكي وتندب حظها العاثر، فسمعتها إبنتها الصماء، فهرولت عندها كي تواسيها، وسألتها: لماذا تبكي يا أمي؟، أجابت المرأة: يظهر أن أباك قد كبر في السن وبدأ يخرف..إنه يتهمني بأنني أسرق من قمحه وأعطيه لأمي..في الواقع كنت أفعل ذلك منذ عشرين سنة أما الآن فمستحيل أن أفعل ذلك..لقد هرم أبوك ولم يعد يدري ما يقول، فقبلتها الإبنة وقالت لها: الحمد لله لقد وافق أبي أخيرا على زواجي من ميلود، والفضل يرجع إليك يا أمي، فلا داعي لبكائك، فبعد الزواج سوف آتي لأزورك بين الفينة والأخرى فدار ميلود قريبة من دارنا، وسوف أُحضِر لك كل مرة هدية، فقد ظنت الإبنة الصماء أن أباها قد وافق على زواجها من حبيبها الأصم ميلود، فأسرعت إليه لتخبره، وتركت أمها تبكي وحيدة.
ذهبت الفتاة إلى خطيبها ميلود، وما إن رأته حتى زفت له الخبر قائلة: أخيرا وافق أبي على الزواج، فأجابها ميلود: لا يهم طاقية أم طربوش المهم أنها هدية منك..لكن متى ستحضرين الهدية، فقد سبق أن طلب منها غطاء لرأسه ووعدته بأن تشتري له طاقية أو طربوشا.
أما إبراهيم والد الفتاة فبعد أن لبس جلبابه الصوفي ركب حماره وأسرع إلى السوق، وعند مدخله وجد قروية صماء قد افترشت الأرض ونشرت أمامها بيضا طازجا، فاقترب منها إبراهيم وقال لها: ناشدتك الله أن تُسدي إلي معروفا، فردت القروية: بيض جيد لقد باضته دجاجتي وثمنه رخيص، فقال لها إبراهيم: سوف أترك حماري بجانبك..سأقيد رجليه..لكن عليك أن تنتبهي له..فالسوق مليئ باللصوص، فردت القروية: أنت حر..لن تجد مثل بيضاتي في السوق كله..هذا بيض طازج، فقال لها إبراهيم: بارك الله فيك وأكثر من أمثالك أيتها المرأة الطيبة.
قيد إبراهيم حماره بجانب القروية ودخل إلى السوق، فصاحت القروية: ستندم..فلن تجد مثل بيضي..ألا تريد أن تشتري؟.. لا يهم فالرزق بيد الله، واستمرت القروية تصيح على بيضاتها غير آبهة بالحمار على الإطلاق، فقفز الحمار قفزة بعيدا عنها، فلمحه لص، ففك قيده وسار به بعيدا عن السوق.
ولما انتهى إبراهيم من شراء حاجياته صد عائدا ليأخذ حماره، فنظر في كل اتجاه حول القروية، لكنه لم يعثر على أثر للحمار، فصاح في وجه القروية: أين الحمار..أين الحمار؟ فأجابته: لقد نصحتك وقلت لك بأنك لن تجد بيضات مثل بيضاتي في السوق، فرد إبراهيم: قلت لك أين الحمار..أين ذهب الحمار؟ فقالت القروية: تريد بيضا..ومن أين أجيء لك به..لقد بعت البيض كله..نصحتك ولم تستمع لكلامي، فغضب إبراهيم وأمسك القروية من ملابسها وصاح: أنت تعرفين اللص..وربما اتفقت معه..لقد سرقتما حماري، فردت القروية: هل أنت أحمق حتى تمسك بملابسي..ومن أين آتيك بالبيض..لقد كان أمامك ولم ترد أن تشتري، فازداد غضب إبراهيم وارتفع صياح القروية، وتجمهر الناس وتم اقتيادهما إلى كبير القضاة في البلد.
وقف إبراهيم أمام كبير القضاة الأصم وقال: جئت إلى السوق بحماري..قيدته وتركته لهذه المرأة لتحرسه..وعندما عدت لم أجده..لقد اتَّفَقَتْ هي واللص على سرقة حماري، فوقفت القروية وقالت: هذا الرجل أحمق لم يرد شراء بيضي لما كان متاحا..وعندما بعته..عاد لكي يشتريه..فكيف لي أن أوفره له، فهز كبير القضاة رأسه وأبدى تأسفه وألمه وقال موجها كلامه لإبراهيم: يا للخجل..رجل في مثل عمرك يضرب امرأته، ثم حول نظره نحو القروية وقال: وأنت يا امرأة لا بد أنك عصيت زوجك وأغضبته، اسمعي لكلامه واعملي به، ثم خاطب أخيرا إبرهيم قائلا: وأنت إياك أن تضرب زوجتك مرة أخرى..هيا سيرا إلى داركما وتصالحا فالصلح خير.