" في أوقات الْخُدَعِ العالمية، قول الحقيقة يُصبح عملا ثوريا" الفيلسوف والكاتب الإنجليزي فرانسيس بيكون
واجه العالم خلال السنين الأخيرة في جميع أركان الكرة الأرضية كوارث مدمرة لا قبل له بها-والقادم أدهى وأمر-من فيضانات طوفانية، وعواصف هوجاء، وسيول جارفة، وانجرافات للتربة قاتلة، وحرائق جهنمية، وزلازل هائلة، وثلوج ردمت مدن وقرى برمتها، وأوبئة خطيرة ومدمرة اكتسحت الكرة الأرضية برمتها، وازداد الأمر سوء نتيجة الارتفاع الصاروخي في تعداد السكان بدون كوابح، حتى قال في ذلك الفيزيائي الأمريكي 'ألبرت ألن بارتليت' بتهكم واضح:"أكبر عيب في الجنس البشري هو عدم فهمه الدالة الأسية".
إن النقص الحاصل في الوقود الأحفوري والمواد الأولية، والاضطراب والاختلال الخطير في الطقس وخروجه عن السيطرة بشكل غير مسبوق في العصور الحديثة، والدخول المحتمل للعالم في عصر جليدي مصغر مختمل، سيؤدي لا محالة إلى:
-هجرات جماعية من المناطق التي سوف تتجمد إلى المناطق الدافئة إن بقيت،
-انخفاض ملحوظ في المحاصيل الزراعية،
-تقلص في المياه العذبة الذي بدأ نقصها يُنذر بالخطر في كثير من دول العالم،
-هلاك أعداد كبيرة من الحيوانات نتيجة عدم قدرتها على التكيف والتأقلم مع التغيرات المناخية،
-ارتفاع ملحوظ في وثيرة النيازك والشهب والمذنبات والكويكبات التي بدأت ترجم سكان الأرض الذين أصبحوا يخرجون من دين الله أفواجا،
إضافة إلى العولمة الجامحة بدون لجام التي تدمر كل ما يعترض طريقها من قيم وأخلاق وخصوصيات مجتمعية، والديون الهائلة التي تدمر اقتصاديات الدول والاقتصاد العالمي برمته.
فمنذ ثلاثة قرون، طغى الرجل الأبيض وتجبر، ولم يعد في حاجة إلى الله، فاتخذ إلهه هواه، دين جديد تسلل إلى الغرب المسيحي، ومن تم مباشرة إلى باقي دول العالم جميعها حتى الإسلامية منها، ولو ما زالت تتمسح ببعض القشور من التدين المغشوش، واتبعت البشرية الفيلسوف ديكارت الذي ظهر كنبي متكئ على عكازة خاوية متداعية وهو يصيح فيها من فوق جبل هار: "أيها الناس إنكم الكل في الكل وبإمكانكم تحويل الطبيعة وتدجينها بشكل لا متناه، فأنتم وحدكم أصل الأشياء جميعها".
وشيئا فشيئا بدأ السم يسري في أوصال الكرة الأرضية، فدخل فيه الناس أفواجا أفواجا، لأن هذا الدين الجديد أبهرهم بعلومه وتكنولوجياته التي حققت أمام أعينهم الكثير من المعجزات التي لم يأت بها نبي من ذي قبل، وببنوكه الربوية لخدمة وثنهم ومعبودهم النقدي الذي أوصلهم إلى رخاء مادي ما بعده رخاء، تقودهم النيولبريالية النقدية بأعين معصوبة نحو الألفية الثالثة للاستقرار بجنانهم الأرضية التي افتقدوها منذ زمن بعيد، غير أن كل هذه العجعجة كانت مجرد خدعة محبوكة ما لبثت أن انكشفت عندما بدأت تظهر على واجهة المعبد التقدمي الحداثي تصدعات وشقوق غائرة تنذر بانهيار حضارة الهموسابيينس عما قريب.
ولعل أرفع درس عن قرب انهيار معبد الرأسمالية العالمية والنيولبيريالية المتوحشة التي يرعاها الماسون هو تداعي هرم الاتحاد السوفياتي في أواخر الثمانينيات بعد كارثة تشرنوبيل المدوية بسنوات قلائل، وهو درس بليغ وعبرة لمن ألقى السمع وهو شهيد على أن أقوى الدول والإمبراطوريات يمكن أن تنهار بشكل سريع عندما يتم تجاوز عتبة من الهشاشة في هيكلها، ثم تَبِعَ هذ العبرة عبرة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، وتتجلى في الترنح الغربي وسكره الطافح خلال التسعينيات من القرن الماضي بفقاعة الأنترنت والفضائيات وعوالمهما الافتراضية التي أعدمت الواقع الحقيقي للبشرية ومسخت الجانب الروحي فيه، حتى أضحى الناس قاب قوسين أو أدنى من مجتمعات الفئران والقردة والخنازير، فانتشر كالنار في الهشيم النموذج الرأسمالي الغربي في كل بقاع العالم، غير أن هذا 'النموذج' لم يكن سوى وهم وسراب لأنه كل آماله وأحلامه كانت معلقة في عالم افتراضي دجال مليء بالتناقضات الداخلية التي يتعذر بل يستحيل تجاوزها بأدوات منهكة متداعية، فهدف الساهرين على المعبد النقدي أصبح مستحيلا، لأن إنجاز مشروع لا متناه أصبح من المستحيل تحقيقه أصلا على كوكب منته الصلاحية يلفظ أنفاسه الأخيرة.
والحيوان بفطرته يصبح أكثر عدوانية عندما يُجْرَحُ، ويحس أن ساعته قد اقتربت، وما الحروب والنزاعات التي تعصف بالجهات الأربع للكرة الأرضية، إضافة للقلق والإجهاد النفسي والمعيشة الضنك التي أصبحت تعيشها البشرية في الوقت الراهن بالرغم من توفرها على رخاء مادي لم يسبق أن عاشت مثله في التاريخ، لهما أرفع دليل على أن ساعة البشرية قد دقت وبدأ عدها العكسي، فالمترفون بدأوا منذ الآن يتحصنون لإنقاذ سلطتهم ومحاولة ضمان استمراريتها لهم وحدهم، فمن جهة هنالك أقلية من البشر تظن نفسها الأعلى تحاول بكل الطرق ضمان سيطرتها لها وحدها فقط على كل شيء، وعلى الجانب الآخر أكثرية من البشر تعتبر من فصيلة الحشرات قُذِف بها في غياهب الظلمات كرمز لغياب الفكر والتنوير كما يدعون.
وخلال السنين القادمة سيكون من المفروض على الأغنياء مثلهم مثل الفقراء أن يكافحوا ليس من أجل العيش، بل فقط من أجل أن يبقوا رؤوسهم فوق الماء من أجل البقاء على قيد الحياة، وبذلك سوف ستتصدع المجتمعات إلى فئة من المسيطرين الحمقى الذين ستكون لديهم أموال كثيرة غير أن لهم أجساد خاوية بلا أرواح، وفئة من المستضعفين والمعدمين والمشردين والمجانين الذين سيكون نهجهم من أجل البقاء على قيد الحياة تصريف أنهار وأنهار من الدماء المختلطة بالأشلاء في أشكال شتى من العنف والقتل والحقد الشديد، كتعويض لهم عن النقص الحاد والقاتل في الأموال ومباهج الحياة.
فالعنوان الكبير للحضارة البشرية الحالية يكمن في مقولة الكاتب الروسي ألكسندر سولجستاين: "التقدم اللامحدود لا يتوافق بتاتا مع الموارد المحدودة لكوكبنا، والرخاء المادي يتعاظم بينما يتضاءل التطور الروحي"، ولعل هذان هما السببان الرئيسيان اللذان يأذنان بالانهيار القريب لما يسمى بالحضارة البشرية المعاصرة، وما علينا إلا أن نستعد للمعيشة الضنك حتى لا نتفاجأ بالقادم من الأحداث التي يشيب لها الولدان..أظن أن نهاية البشرية سواء في المستقبل القريب أو البعيد سوف تكون دراماتيكية بصورة لا يمكن تصورها.
فالعنوان الكبير للحضارة البشرية الحالية يكمن في مقولة الكاتب الروسي ألكسندر سولجستاين: "التقدم اللامحدود لا يتوافق بتاتا مع الموارد المحدودة لكوكبنا، والرخاء المادي يتعاظم بينما يتضاءل التطور الروحي"، ولعل هذان هما السببان الرئيسيان اللذان يأذنان بالانهيار القريب لما يسمى بالحضارة البشرية المعاصرة، وما علينا إلا أن نستعد للمعيشة الضنك حتى لا نتفاجأ بالقادم من الأحداث التي يشيب لها الولدان..أظن أن نهاية البشرية سواء في المستقبل القريب أو البعيد سوف تكون دراماتيكية بصورة لا يمكن تصورها.