كيف تحول الإنسان إلى متفرج منتش بمآسي الآخرين

"فِي حَيَاتِنَا الْبَشَرُ كَالْحُرُوفِ: الْبَعْضُ يَسْتَحِقُّ الرَّفْعَ، وَالْبَعْضُ يَحْتَرِفُ النَّصْبَ، وَهُنَاكَ مَنْ يَسْتَاهِلُ الضَّمَّ، وَالْبَقِيَّةُ يَسْتَحِقُّونَ الْكَسْرَ"توفيق الحكيم
كيف تحول الإنسان إلى متفرج منتش بمآسي الآخرين
نعيش اليوم في عالم تغيرت فيه القيم والمفاهيم بشكل جذري، خلال السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية كانت القيم الأساسية للبشرية كمثل فقاعة حامية يتحرك بداخلها الكائن البشري بكل أمن وبحرية أكثر من اليوم، ولكن تغيرت الأمور بعد ذلك بسرعة كبيرة، وصارت الحياة عبارة عن ساحة معركة حامية الوطيس، ترغم الجميع بصالحهم وطالحهم على أن يقاتلوا بكل شراسة وعدوانية حتى يحافظوا  على مواقعهم وامتيازاتهم وتفاهاتهم المادية الأرضية الحقيرة.
اليوم لم تعد هناك سوى قاعدة واحدة تضبط حياة أي إنسان على وجه الأرض: النصر والفوز للأقوى، إنه قانون الغاب، فالإنسان لم يعد يرى سوى شيء واحد: مصلحته الشخصية لا غير، الربح الذي سوف يجنيه في كل حالة، هذا كل ما يهمه ويشغل باله طوال حياته القصيرة التعيسة، لقد أصبحنا اليوم نعيش في عالم لا يحق سوى لِعُتَاةِ المجرمين بوضع القوانين وتطبيقها على الآخرين ممن هم دونهم من الْمُنَوَّمِينَ والْمُسْتَضْعَفِينَ والْمَقْهورينَ والْمُسْتَعْبَدِينَ والْمُضْطَهَدينَ.
حتى العنف صار عملة متداولة على نطاق واسع داخل المجتمع، لدرجة أننا تعودنا على رؤيته في شوارعنا وإداراتنا ومدارسنا ومعاهدنا وكلياتنا وبيوتنا صباح مساء، ومن فرط تقبلنا للعنف الذي أصبح عادة متأصلة في مجتمعنا، أصبحنا أكثر خضوعا واستسلاما له، إنه شيء جد مؤسف للغاية.
لقد أصبح العنف في مجتمعنا عبارة عن تسلية وتزجية للوقت، قتل، اغتصاب، سرقات سلب، نهب، مخدرات ودعارة صارت في نظر الكثير من الخلق مواضيع للتسلية على صفحات الجرائد والإنترنت والفضائيات، وحديث الخاصة والعامة في الشوارع والدواوين والإدرات والمقاهي، وحتى الأطفال الصغار.
هكذا أصبح كل الناس شيئا فشيئا مجرد متفرجين،كل واحد منهم يتقبل عن طيب خاطر أن يكون متفرجا سلبيا بدون أية ردة فعل، إنه يظن بأن ردة فعله لايمكنها أن تغير في الواقع المرير شيئا حيثما عجزت الدولة نفسها بكل ترساناتها القانونية والعسكرية والبوليسية والمخابراتية عن تصحيح الخلل المتزايد باطراد بسرعة خطيرة، لقد أصبح كل إنسان يستفيد من نقط ضعفه، ويجد انتشاء ولذة لا تُضاهى في التفرج في الشارع وعلى الأنترنت على المىآسي المروعة للآخرين، فهذا عصر الفرجة والمتعة والنشاط، والمرء لا يعيش إلا حياة واحدة كما يقول بعض الـحُـذَّاقِ من السفهاء، فهلموا بالجميع للتمجيد والتهليل بمن يحركون الدمى من وراء الستار. 
إن الإنسان الذي يكون في وضعية المتفرج لن يكون له أي شعور بأنه معني بالواقع المحيط به، ولا يمكنه حتى أن يخمن تواطؤه بسكوته، إنه يظن مخطأً في قرارة نفسه بأنه في منآى عن الخطر المحدق بالآخرين، وهو ليس معني بالأمر وليس له دخل فيه.
 لقد أضحى العالم اليوم عبارة عن مسرحية يجد فيها المتفرجون متعة كبرى في التفرج على مآسي ومعاناة وآلام الآخرين، دون أية ردة فعل تذكر منهم، إنهم فخورون ومنتشون بكونهم يتواجدون على المنصة الشرفية للمتفرجين، وفي كل الأحوال لايخطر على بال هؤلاء المساكين أبدا أن ما يمر أمام أعينهم سوف يكون مصيرهم الحتمي في آخر المطاف، وكل ذلك يرونه يمر مرور السحاب من دون أن يحركوا ساكنا، إلا أنهم بإمكانهم أن يغيروه بكل سهولة لو كانوا بالفعل أحرارا.