يعتبر الحاكم العباسي عبدالله بن المعتز شاعرا وأديبا وفصيحا من فصحاء العرب، وفي شعره شبه مع الشاعر العباسي ابن الرومي، ومن سخرية القدر الذي لا يرحم أحدا أن ابن المعتز لم يحكم إلا يوما وليلة، إذ بمجرد تنصيبه حاكما على امبراطورية بني العباس حتى وثب عليه غلمان الحاكم العباسي المخلوع المقتدر، فعاملوه بمثل ما عامل قواد الجيش المقتدر الذي استصغروا من شأنه ولم يجدوا فيه أهلية للحكم، فسلمه المقتدر إلى خادم له إسمه مؤنس، فقام هذا الأخير بخنقه حتى زهقت روحه.
والقصيدة التالية هي في حقيقة الأمر عبرة ودرس بليغ لكل من غرته الحياة الدنيا وأضحى غافلا على أنه سيصير يوما كأنه لم يكن أحدا، وتعتبر هذه القصيدة الرثائية من القصائد الرائعة للحاكم الشاعر ابن المعتز في رثاء الحاكم المعتضد العباسي الذي حاول بكل حزم واستماتة محاربة الفساد والتفسخ الكبير الذي ساد إبان حكم بني العباس، إلا أن المنية انتزعته من ملكه من بعدما اعتلت صحته إثر إصابته بمرض عضال لم ينفع معه دواء ولا خدم ولا حشم ولاسلطة ولا منصب ولا أموال، فرمى به هادم اللذات مثل خرقة بالية في غياهب الظلمات، ولم يكن سنه يتجاوز 48 سنة مثله مثل ابن المعتز الذي قُتل هو أيضا وسنه لم يتجاوز 48 سنة ... الدائم الله سبحانه:
يَا سَاكِنَ الْقَبْرِ فِي غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ بِالظَّاهِرِيَّةِ مُقْصَى الدَّارِ مُنْفَرِدَا
أَيْنَ الْجُيُوشُ الَّتِي كُنْتَ تَسْحَبُهَا؟ أَيْنَ الْكُنُوزُ الَّتِي أَحْصَيْتَهَا عَدَدَا
أَيْنَ السَّرِيرُ الَّذِي كُنْتَ تَمْلَؤُهُ مَهَابَةً مَنْ رَأَتْهُ عَيْنُهُ ارْتَعَدَا؟
أَيْنَ الْأَعَادِي الأُولَى ذَلَّلْتَ مَصْعَبَهُمْ؟ أَيْنَ اللُّيُوثُ الَّتِي صَيَّرْتَهَا بُعَدَا؟
أَيْنَ الْجِيَّادُ الَّتِي حَجَّلْتَهَا بِدَمٍ؟ وَكُنَّ يَحْمِلْنَ مِنْكَ الضَّيْغَمَ الْأَسَدَا؟
أَيْنَ الرِّمَالُ الَّتِي غَذَّيْتَهَا مُهَجاً؟ مُذْ مِتَّ مَا وَرَدَتْ قَلْباً وَلاَ كَبِدَا
أَيْنَ الْجِنَانُ الَّتِي تَجْرِي جَدَاوِلُهَا وَتَسْتَجِيبُ إِلَيْهَا الطَّائِرَ الْغَرِدَا؟
أَيْنَ الْوَصَائِفُ كَالْغِزْلاَنِ رَائِحَةً يَسْحَبْنَ مِنْ حُلَلٍ مَوْشِيَّةٍ جُدَدَا
أَيْنَ الْمَلاَهِي؟ وَأَيْنَ الرَّاحُ تَحْسَبُهَا يَاقُوتَةً كُسِيَتْ مِنْ فِضَّةٍ زَرَدَا؟
أَيْنَ الْوُثُوبُ إِلَى الْأَعْدَاءِ مُبْتَغِيّاً صَلاَحَ مُلْكِ بَنِي الْعَبَّاسِ إِذْ فَسَدَا؟
مَا زِلْتَ تَقْسِرُ مِنْهُمْ كُلَّ قَسْوَرَةٍ وَتَخْبِطُ الْعَالِيَّ الْجَبَّارَ مُعْتَمِدَا
ثُمَّ انْقَضَيْتَ فَلاَ عَيْنٌ وَلاَ أَثَرٌ حَتَّى كَأَنَّكَ يَوْماً لَمْ تَكُنْ أَحَدَا