مجتمعات الزومبي

"إِنَّ الشُّعُوبَ الَّتِي تَفْشَلُ فِي تَشْخِيصِ أَمْرَاضِهَا تَمُوتُ نَتِيجَةَ تَنَاوُلِ الدَّوَاءِ الْخَطَإِ" المفكر الليبيي الصادق النيهوم رحمه الله

همجية وقسوة مجتمعات الزومبي
إن أسلحة الدمار الشامل التي تمحق محقا المجتمعات العربية وتسير بها بخطى حثيثة نحو تفسخها وانهيارها الحضاري على المديين القريب والمتوسط هي: الجهل، التخلف الاجتماعي، غياب العدل والعدالة الاجتماعية، الفساد السياسي والاقتصادي والأخلاقي، اتساع هوة الفوارق الاجتماعية بشكل غير مقبول على الإطلاق، انعدام روح التحضر واحترام القوانين، انتشار المخدرات والمهلوسات والخمور بشكل رهيب، انتشار مهول للدعارة واللواط والبيدوفيليا والمثلية والسحاق وزنا المحارم، تفسخ القيم الأخلاقية وانكسار العلاقات الأسرية والاجتماعية بصورة دراماتيكية، الانفلات والارتباك الأمني الخطير.
إن هذا المخلوق الزومبي العربي الخطير المتحول لم يَعُدْ إنسانا لأنه بكل بساطة فَقَدَ إنسانيته وَفَقَدَ كل ما يمت للإنسانية بصلة، لأنه صار مجرد شيء لا كرامة ولا حرمة له، همه الوحيد هو الانتقام، فإلى أين تتجه المجتمعات العربية؟
سؤال من الصعب الإجابة عليه، غير أن الأمور تبدو بالنسبة لي ومن وجهة نظري الشخصية رمادية وتسير على المديين القريب والمتوسط بخطى حثيثة نحو ما هو أمر وأدهى -كأن تتحول المجتمعات العربية إلى مجتمعات من الزومبي-في ظل:
ü        افتقاد الثقة بين (المواطنين) والسياسيين وصلت إلى درجة النفور والقطيعة وانعدامها بصورة دراماتيكية  لم يسبق لها نظير من ذي قبل، 
ü       ضعف الإيمان عند الناس وانحسار فاعلية الردع التي كانت لدى الوازع الديني بالنسبة إليهم، أمام انتشار أمواج من الملحدين والفرق المنحرفة الضالة والهدامة، والحركات المريضة الداعية جهارا نهارا إلى الرذيلة والشذوذ الجنسي والتفسخ الأخلاقي التي غزت هذه المجتمعات غزوة كبرى، من خلال الركوب على أحصنة طروادة الحقوقية والفنية والسينمائية والرياضية والترفيهية، وكل ما له علاقة باللهو خاصة لدى جيل الألفية الثالثة التالف عن القبلة،  
ü      تدني القيم والأخلاق، وتواري المرجعيات والقدوات الحسنة في هذه المجتمعات إلى الخلف، وتقدم التفهاء والأنذال والأخساء والحقراء والسفهاء والمنحرفين واللصوص والفسدة إلى الصفوف الأمامية،
ü       مساهمة وسائل الإعلام السمعية والبصرية والأنترنت والصحف والمجلات في إفساد أخلاق  الناس فسادا عظيما لما تقدمه لهم من أفلام ومسلسلات بائخة، وبرامج ممسوخة، وموسيقى هابطة، مما ساهم بدرجة كبيرة في تدني أذواقهم وانحطاطها، واضطراب بوصلاتهم، ومكن من استعبادهم بكل يسر وسهولة،
ü      تفكك الأسر وفشلها فشلا ذريعا في تربية أبنائها التربية الحسنة التي تكون منهم رجالا ونساء مكافحين أسوياء صالحين، وعاملين منتجين في المجتمع لا عالة عليه، 
ü     فشل المدرسة والجامعة في تهذيب وتخليق التلاميذ والطلاب، وتنشئتهم تنشئة اجتماعية سليمة، وضبطهم  اجتماعيا قبل تكويرهم عفوا تكوينهم،
ü       غياب الإنصاف والعدل والمساواة بين كل الناس في جهاز القضاء الذي في معظمه غير نزيه وغير عادل وغير مستقل،
ü     غياب العدالة الاجتماعية وتفاقم الفوارق الاجتماعية بشكل رهيب، مما زاد من انتشار الانحراف والعنف والجريمة في المجتمع، 
ü     ضعف التكافل الاجتماعي بشكل يثير الشفقة بين أفراد المجتمع، وتخلي الدولة عن تحمل مسؤوليتها للعب الدور المنوط بها في هذا المقام،
ü      فشل المؤسسات السجنية في إعادة إدماج السجناء في المجتمع، بحيث أصبح هؤلاء يدخلون هذه المؤسسات وهم مجرد مجرمين صغار مبتدئين في عالم الإجرام، ويخرجون منها بديبلومات بميزة أعتى المجرمين، كي يرتكبوا مباشرة بعد ذلك جرائم وحشية وهمجية لا تُقْدِمُ عليها حتى أعتى الوحوش الضارية،
ü    انتشار المسكرات والمخدرات والمهلوسات بشكل رهيب ووبائي في هذه المجتمعات بين كل الفئات العمرية ذكورا وإناثا، 
ü   تساهل تشريعات قوانين هذه المجتمعات بطريقة غريبة وغير مبررة بثاثا مقارنة بالقوانين الصارمة في الدول (الديمقراطية) مع المجرمين والبدوفيليين والمغتصبين والشواذ والقوادين وتجار المخدرات الصلبة والأقراص المهلوسة والشيشا والخمور بكل أنواعها وأشكالها، مما شجع هؤلاء المجرمين للعود والتمادي في ارتكاب جرائمهم، وفرض الرعب والفساد والخراب في هذه المجتمعات أمام الضعف الصارخ والبين للقوة الردعية للقوانين وأمام معضلة امتلاء السجون.
وعليه ليس من المستغرب إذن أن ترتفع أعداد الجرائم الوحشية المدوية التي لم تعتد عليها مجتمعات الزومبي هذه من ذي قبل لمستويات مهولة، وليس من المستغرب كذلك أن يزداد أعداد المنتحرين ذكورا وإناثا صغارا وشبانا وكهولا وشيبا بدون استثناء، لترتفع لمستويات غير مسبوقة، وليس من المستغرب أيضا أن ترتفع نسبة (المواطنين) الراغبين في الهروب من جحيم أوطانهم إلى وجهات أخرى بأي ثمن كان، يظنونها وهم واهمون أنها جنان عدن.
فمع بزوغ فجر الألفية الثالثة أطلقت العولمة-التي استقرت بين ظهرانينا بالرغم عنا-الحبل على الغارب بدون قيود ولا ضوابط لانبجاس الشهوات، واستحواذ الغرائز الجنسية على الأفراد، وشيوع أوكار المخادنات السرية، والملاهي الليلية، وحانات الخمور، ومقاهي الشيشا والأقراص المهلوسة، والأندية العارية، وصالونات الدعارة المتخفية في ثوب صالونات تصفيف الشعر والتجميل، وصالونات التدليك، والقاعات الرياضية المختلطة، والأفلام المكشوفة، ونوادي تبادل الزوجات، وظاهرة الشذوذ الجنسي، ونكاح المحارم، والسحاق، والشذوذ الجنسي، والبيدوفيليا، ومواخير الدعارة، ويدخل في ذلك قطعا أماكن الدعارة الظاهرة السالف ذكرها، والمستترة كتجارة البغاء المتدثرة بدثار السياحة والزندقة عفوا السياحة والفندقة، ودور الضسارة عفوا الضيافة، وانتشار المخدرات والمهلوسات بشكل وبائي جد خطير.
وقد بدأت هذه العوامل تعطي أكلها المتجلي في الانهيار الاجتماعي، والسقوط الحضاري، والدمار الخطير في القيم والأخلاق، والتفكك المزداد باطراد في الروابط والأواصر الأسرية، مما أدى إلى تراجع في قيم الشرف والشهامة والرجولة، وارتفاع أعداد المخنثين والمخنثات، وأضحى المال هو القيمة والكلمة العليا، وأصبحت الغاية تبرر الوسيلة حتى لو كانت هذه الوسيلة هي القوادة وبيع الشرف.
فتوارت الأخلاق والقيم والمبادئ عن مسرح الأحداث، وصمت العلماء والشرفاء صمت القبور، أمام الفشل الذريع للدول في حل معضلات المشاكل  الاجتماعية العويصة التي تتخبط فيها هذه المجتمعات، من تفش للبطالة، وتراجع خطير في توفير مناصب التشغيل الكافية، وانحطاط غير مسبوق في مستوى التعليم، وتدني خطير في الخدمات الصحية، وتدهور في القدرة الشرائية للغالبية العظمى من المستضعفين، ووسط هذه الأجواء الموبوءة قفزت إلى مسرح الأحداث عصابات مافيا المخدرات وغسيل الأموال القذرة، التي استعملت كل الوسائل اللاشرعية لكسب الأموال من أجل حياة الترف والنعيم والسيارات الفارهة والإقامات الفخمة.
فوجدت هذه العصابات المافيوزية التربة الخصبة لنشر أذرعها كالأخطبوط في كل الاتجاهات بقوة المال والفساد المستشري في كل دواليب هذه المجتمعات، مما فتح لها الأبواب على مصاريعها لتسويق وترويج واستهلاك المخدرات والمهلوسات و(المقرقبات أي حبوب الإكستازي) لبشر مغلوبون عن أمورهم، يحاولون بكل الوسائل الهروب من عالم قاس ومتوحش لا يجدون فيه نافذة للأمل، بينما وجدت فيه هذه المافيا  طريقا لفرض مفهوم القوة وترقي السُّلَّم الاجتماعي من خلال الكسب الاقتصادي اللامشروع الضخم والسهل الذي تدره تجارة هذه السموم.
وقد أدركت هذه المافيات أن المخدرات والجنس هما العاملان المحركان لبشر القرن الواحد والعشرين، وأدركت في نفس الوقت أن العولمة الاقتصادية جعلت عمليات غسيل الأموال أكثر سهولة، وأتاحت لها ضخ مئات الملايير من الدولارات من أرباح سموم المخدرات في عصب الاقتصاد، وقد ساعد على ذلك بدون شك فتح الحدود، ورفع القيود على تنقل الأموال، وتزايد عمليات الخصخصة التي عادة ما تتضمن انتقال كميات كبيرة من الأموال عبر شراء الأسهم.
ومع توسع وانتشار العولمة أضحت الجريمة ذات صبغة عالمية، فالمجرمون من أكبر المستفيدين من تخفيف قيود الانتقال عبر الحدود، ولا سيما مع التقدم الحاصل في وسائل النقل والاتصالات في ظل العولمة الاقتصادية وشيوع التجارة الإلكترونية، ويتضح ذلك في رواج تجارة المخدرات وعمليات غسيل الأموال القذرة لإخفاء المصدر الحقيقي لهذه الأموال كي تبدو كما لو كانت قد تولدت من مصدر مشروع، وجرائم إساءة استخدام الحواسيب وشبكة الإنترنيت، والفساد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وشبكات الدعارة والاتجار في البشر وغيرها، وهي كلها مظاهر ساهمت وتساهم  في انتشار النشاطات الإجرامية وتنامي نشاط العصابات الدولية المنظمة ذات الفعاليات العابرة للحدود.
فمصادر الأموال القذرة والمحرمة كثيرة منها: المخدرات زراعةً وصناعةً وبيعاً، الدعارة، تجارة الرقيق، التهرب من الرسوم والضرائب، الرشوة والفساد الإداري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، العمولات الخفية، التربح من الوظيفة، استغلال المناصب، التجسس، السرقات، الاختلاس والابتزاز، الغش التجاري، الاتجار بالسلع الفاسدة والمحرمة والمنتهية الصلاحية والتي قد تكون قاتلة، التزوير في النقود والمستندات والوثائق والماركات والعلامات التجارية، والمقامرات في أسواق البضاعة والمال العالمية ومن المعاملات الوهمية، وغير ذلك من الأنشطة اللامشروعة.
ولإدراك خطورة هذه المافيات على السلم العالمي والتماسك الاجتماعي، تجدر الإشارة أن حجم تجارة غسيل الأموال حول العالم وفقاً لإحصائيات صندوق النقد الدولي يتراوح سنويا ما بين 950 مليار دولار و 1600 مليار دولار أمريكي، وكشفت العديد من التقارير أن حجم الدخل المتحقق من تجارة المخدرات حول العالم يصل إلى نحو 688 مليار دولار أمريكي.
رحم الله العالم الجزائري محمد الخضر حسين (1876-1958عندما قال: "لا أرى الذين يذهبون إلى إبقاء بيوت الدعارة مفتوحة في البلاد إلا نفراً يخونون أوطانهم بعد أن خانوا الفضيلة، وما بيت الدعارة إلا مأوى نفوس أُشْرِبَتْ حب الشهوات الممقوتة، واستغلظت فيها الأخلاق الدنيئة.. والمواطنة الصادقة هي أن تحرصَ على أن يكون وطنكَ طاهر الموارد، طيب السمعة، فإن رضيتَ عن تلك البيوت القذرة، وحاربتَ من يسعى لتطهير وطنكَ منها، فقد خُنْتَ الفضيلة، وكنتَ في دعوى إخلاصكَ للوطن مفترياً أثيماً".
هوامش:
زومبي: باللاتينة Zombie هو الميت الحي، وهو عبارة عن مسخ مشوه فَقَدَ كل أشكال الوعي وجميع الأحاسيس الإنسانية، ذو سلوك جد عنيف تجاه البشر الأسوياء، وشره مستطير وخطير ومُعْدٍ بشكل رهيب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق