عَصْرُ الْفُلُوسِ نَعِيمُ الْمُرَفَّحِينَ وَجَحِيمُ الْحَازِقِينَ

"الْفَقِيرُ الْجَائِعُ يَكَادُ لاَ يَفْهَمُ الْحَقِيقَةَ إِلاَّ عَلَى شَكْلِ رَغِيفٍ" عالم الاجتماع العراقي علي الوردي رحمه الله
عَصْرُ الْفُلُوسِ نَعِيمُ الْمُرَفَّحِينَ وَجَحِيمُ الْحَازِقِينَ
في الماضي كانت قيمة الإنسان بما في رأسه، أما اليوم فقد أصبحت قيمة الإنسان بما في جيبه، واسألوا (الحازقين*) إن كنتم في ريب مما أقول، فلو بُعِثَ اليوم العالم ألبرت أينشتاين والكاتب برنارد شو والمؤلف المسرحي شكسبير ودخلوا مطعما في لندن في نفس الوقت الذي يدخل إليه أحد أصحاب الملايير..فهل سيرحب مدير المطعم بالعالم والكاتب والمؤلف أم سيتركهم واقفين ينتظرون دورهم ويهرول نحو سعادة صاحب الفلوس الملياردير الكبير العظيم ليعد مائدته ولعابه يسيل.
أعتقد أنه سيهمل ويتجاهل شكسبير وسيحتفل بالملياردير سعادة الشيخ زعطوط بن فرطوط، فالشيخ زعطوط اليوم يستطيع أن يشتري المطعم بما فيه من أينشتاين وبرنارد شو وشكسبير، وما يبدره تبديرا سفيها الشيخ زعطوط في ليلة واحدة على البغايا والغلمان والخمر والقمار أكثر مما تقاضاه شكسبير طوال حياته كلها.
في الثلاثينيات من القرن الماضي كان يوجد في الهند المهاتما غاندي والمترف آغا خان..وكان غاندي الفقير الذي زهد في الغنى والاغتناء اللامشرروع يمشي في الشوارع شبه عار لا يستر جسده الضعيف سوى "الخادي"، وهو لباس قطنيّ مغزول يدويّاً، وكان آغا خان من أغنى أغنياء العالم، وكانت أغلبية الشعب الهندي تسير خلف غاندي وتمجده وتحترمه وتفضله ألف مرة على أغا خان. 
وكان غاندي لا يملك سوى معزة، بينما كان أغا خان يوزن كل عام بالذهب أو بالماس الذي يقدمه له أتباعه، ولكن كان ذلك في عصر آخر، عصر الروح والفلسفة والإيمان القوي بالمبادئ السامية، وذلك بالرغم من الفقر وقلة ما في يد الهنود والأزمة الاقتصادية العالمية الطاحنة التي كانت سببا في إفراز مئات الملايين من العاطلين.
اليوم تغيرت المبادئ لما أعمت المادة والطمع والجشع بصائر الناس جميعا إلا من رحم ربك.، فأصبحت الشيكات أنفع من الدرجات العلمية، والأرصدة في البنوك أكثر احتراما من المؤلفات والمجلدات والأبحاث والفلسفات، وأصبح أكثر شهرة من العلماء المنحرفون والمنحرفات.
غير أن الذي لا شك فيه هو أن القلب عندما يمتلئ بالعاطفة يكون أسعد ألف مرة من الجيب الممتلئ بالأموال، وسيأتي يوم نسمع فيه من يقول: يا رب خذ جميع أموالي وممتلكاتي واعطني حبا عظيما، وقناعة، وسكينة نفس وطمأنينة، وصحة وعافية.
المدون بتصرف واسع  عن عصر الفلوس في مؤلف 'ال200 فكرة' لمصطفى أمين رحمه الله
هوامش:
الْمُرَفَّحُونَ: جمع مُرَفَّحٍ وهو مصطلح عامي مغربي على ما يبدو منقول عن مُرَفَّهٍ باستبدال الْهَاءِ حَاءً، ويُطلق على الغني المثرف لدرجة الثخمة.
الْحَازِقُونَ: جمع حَازِقٍ وهو مصطلح عامي مغربي مشهور كنار على علم، والْحَازِقُ هو الْمُعْدِمُ الذي لا يملك فلسا واحدا في جيوب سرواله المثقوبة.