أمثال شعبية مغربية 19

أمثال شعبية مغربية 19
الدَّنْيَا إِلَى بْغَاتْ تْزَوَّجْ رَجَلْهَا مُوجُودْ وَإِلَى بْغَاتْ تْطَلَّقْ مَا دِيرْ شْهُودْ
متى أرادت الدنيا الغدارة أن تتزوج بأحد من المغفلين الذين لا يدركون على أن دوام الحال من المحال، فلسوف تجد الملايير من هؤلاء االمغفلين منتشرين في كل ركن من هذا العالم المترامي الأطراف، غير أن هذه الساحرة الماكرة عندما تريد الخلاص منهم فإنها تضرب ضربتها التي تشبه ركلة الحمار الأشهب على سُرَّةِ صاحب دعوتها حتى لا تقوم له قائمة بعد ذلك، من دون أن يكون أحد من الخلق على الإطلاق شاهدا على ذلك، وصدق أحمد شوقي رحمه الله الذي قال:
وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى الْحَيَاةِ وَجَدْتَهَا     عُرْساً أُقِيمَ عَلَى  جَوَانِبِ  مَأْتَمِ
الدَّنْيَا فَدَّانْ وُالْبَشَرْ زَرْعُو، سَيِّدْنَا عَزْرَائِيلْ فْرِيدْ مْطَامْرُو فْكُلّْ جِهَة
الفدان هو وحدة مساحة يبلغ 4200 متر مربع تقريبا، والمقصود بالفدان في هذا المثل هو الأرض الزراعية الشاسعة المترامية الأطراف، أما المطمورة (مفرد مطامير) فهي عبارة عن مخبأ يوجد تحت الأرض تتم تهيئته كي تُطْمَرَ فيه الحبوب وَتُخَزَّنَ مع باقي المنتجات الزراعية، حيث يمكن الرجوع إليها في وقت الحاجة عندما تدعو ضروريات الحياة لذلك، وتم تشبيه الدنيا بالفدان والبشر بالحبوب التي يتم زرعها فيه، وأن سيدنا عزرائيل هو الزارع الذي له مطامير عديدة في كل مكان وكل جهة من هذا الفدان الذي هو الدنيا.
اللِّي يَنْقَّزْ مَا بَيْنْ لُوتَادْ لاَزَمْ يَعْثَرْ
لُوتَادْ (أي الأوتاد) حمع وتد، والمثل يؤكد على أن من يعرض نفسه للمخاطر باستمرار لا بد أن يكبو يوما على وجهه، وتم تشبيهه بمن ينط فوق الأوتاد لا بد له أن يعثر ويسقط طال الزمن أم قصر.
رَيَّشْ الطِّيرْ قْبَلْ مَا يْطِيرْ
يُضرب المثل للمرء عليه أن يستغل الفرصة المتاحة أمامه قبل أن تضيع وتختفي إلى غير رجعة، وله نفس معنى المثل الشعبي المغربي 'اضْرِبْ الْحَدِيدْ مَا حَدُّو سْخُونْ'، قبل أن يبرد ويصعب ويتعذر بعد ذلك تغيير شكله.
صَاحَبْ حَاجْتُو دَيْمَا يْقُولْ عْطِينِي وُلاَّ خْطِينِي
الانتهازي صاحب حاجته لا يقبل مصادقة أحد من الناس دون أن تكون له فيه قضاء رغباته وحوائجه الكثيرة والمتعددة، فالناس بالنسبة له مجرد مناديل ورقية يمسح فيهم ما علق بيديه من قذارة ثم يتخلص منها.
شِي بَانُو سْنَانُو بَالضّْحَكْ وَشِي بِالْفَقْصَة بْكَى، وَشِي عْلَى حْصِيرَة وَشِي فُوقْ الَحْرِيرْ تْكَّا
هنالك من ضحكوا حتى ظهرت أسنانهم الفوقية والتحتية بل حتى نواجذهم المخفية، لأنهم لم يعرفوا قط في حياتهم معنى المعاناة والأسى والحاجة والفقر المذقع، وعلى الجانب الآخر من هذه الحياة القاسية التي بدأت تُرفع منها الرحمة تدريجيا هنالك من بكى من شدة الحزن والأسى، وهنالك من اتكأ على حصير قاس حتى تخدر لحم جسده، بينما هنالك من استلقى واستمتع فوق الحرير.
الشَّارِي خَصُّو زُوجْ عِينِينْ وَالْبَايْعْ عِينْ وَحْدَة تَكْفِيهْ
هناك بعض الخلق من منعدمي الضمير ممن يحاولون بشتى السبل التغطية على عيوب ونواقص ما يتاجرون فيه، لذا وجب على الشاري أي المشتري منهم أن يفتح عينيه الإثنتين جيدا، ويكون حاضر العقل والبديهة، ومنتبها لما يُحاك من حوله مع هؤلاء الأقوام المعمية من قوالب ومكر وتدليس، الذين تكفي كل منهم عين واحدة لتمرير سلعهم، ولسان حالهم يقول-أعوذ بالله-قولا شيطانيا: "الله يجعل الغفلة ما بين البايع والشاري".
السّْفِيهْ كَيَنْطَقْ بِاللِّي فِيهْ
السفيه لا ينطق إلا بما يكتنزه بداخله من كم هائل من خبث وقذارة، كي ينفس عن نفسيته المريضة المهزوزة، وعلى كل حال فكل إناء بما فيه ينضح كما يقول المثل العربي، وما أكثر السفهاء والسفيهات إن أعددتهم في هذا العصر السفيه، يكفي المرء على سبيل الذكر لا الحصر أن يقوم بجولة على منصة يوتيوب ومنصات التواصل الاجتماعي حتى يقف عن كثب من الحقيقة الْمًرة للكم الهائل من السفاهة والتفاهة اللذين يخيمان على أجواء العالم اليوم، هذا العالم الذي أضحى مريضا جدا ويقترب من الردى والهلاك بخطى ثابتة يوما بعد آخر.
الرَّجَلْ بَكْلَمْتُو مَاشِي بَلْحَيْتُو
معادن الرجال تُعْرَفُ بمواقفها وأفعالها وليس بمظاهرها وأقوالها، أما من يحاولون مخادعة الناس بفضيلة اللحى والتدين المغشوش فعليهم أن يعلموا أن حتى العتاريس (جمع عتروس وهو ذكر المعز) لها هي أيضا لحى كثيفة وطويلة، وهذا المثل يؤدي نفس معنى "الرِّجَالْ بِالهِمَّة أَمَّا اللَّحْيَة رَاهْ تَلْقَاهَا حَتَّى عَنْدْ العَتْرُوسْ" كما حاء في أمثال شغبية مغربية 16.
الدَّنْيَا سَاعَة اجْعَلْهَا طَاعَة.. وُالنَّفْسْ طَمَّاعَة عُوَّدْهَا الْقَنَاعَة
كل إنسان عاش وسوف يعيش في هذه الحياة الدنيا سوف يُدرِك في آخر أيام حياته على أنه لم يلبث فيها سوى ساعة، ومعظم الناس شعروا بذلك وعايشوه عن كثب، لذا عليه أن يصرفها في طاعة الله بعيدا عن بدع ومخالفات العصر الحديث التي لا تمت للإسلام بأية صلة لا من قريب أو بعيد، ومن رجاحة العقل والتعقل أن يُعَلِّمَ وَيُعَوِّدَ نفسه الكثيرة المطامع والشهوات ما معنى القناعة إسوة بما جاء على لسان الإمام الشافعي رحمه الله:
إِذَا مَا كُنْتَ ذَا قَلْبٍ قَنُوعٍ      فَأَنْتَ  وَمَالِكُ  الدُّنْيَا سَوَاءُ
***
  تَزُولُ   عَنِ    الدُّنْيَا    فَإِنَّكَ   لاَ   تَدْرِي       إِذَا جَنَّ عَلَيْكَ اللَّيْلُ هَلْ تَعِيشُ إِلَى  الْفَجْرِ
 وَكَمْ مِنْ  فَتىَ  أَمْسَى  وَأَصْبَحَ    ضَاحِكاً       وَأَكْفَانُهُ فِي الْغَيْبِ  تُنْسَجُ   وَهْوَ  لاَ يَدْرِي
إِلَى كَانْ جَارَكْ غَدَّارْ وَخَّا تَحْظِي مْعَاهْ بِاللِّيلْ وَبَالنّْهَارْ
من المستحيل أن ينجو المرء النظيف الطوية والسريرة من شر الجار الغدار ولو أخذ منه الحيطة والحذر بالليل والنهار، ولقد صَدَقَ وَأَصَابَ كبد الحقيقة الفيلسوف الأديب الكبير جبران خليل جبران عندما قال:
مَنْ كَانَ جَارُ السُّوءِ يَوْماً جَارَهُ       عُدَّتْ  فَضائِلُهُ   مِنَ   الأَوْزَارِ
لقد رحل الجيران المأدبون المهذبون المتضامنون المتكافلون الرحماء بينهم إلى غير رجعة، ولم يبق في هذه السوق الماسونية المعولمة التي يسمونها الدنيا غير النيران المستعرة بين الجيران وحروبهم اليومية التي لا تنتهي. 
اللِّي يَطْلَبْ حَقُّو حَتَّى وَاحَدْ مَا إِصَدّْقُو
من يطالب بحقه في هذا الزمان الأشعت الأغبر لن يصدقه أحد، ولن يلتفت إليه أحد، وسيبقى وحيدا غريبا بين الناس، فطوبى للغرباء، ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي الذي قال:
رُبَّمَا مَنَعَتْكَ الْحُقُوقُ الْكَلاَمَ     وأَلْجَمَتِ الْعُهُودُ فَاكَ بِلجَامِ
***
إِذَا رَأَيْتَ  الْهَوَى فِي  أُمَّةٍ حَكَمَا     فَاحْكُمْ هُنَالِكَ أَنَّ الْعَقْلَ قَدْ ذَهَبَا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق