أما بعد،

أما بعد،

في غياب الإمام صعد جحا المنبر لإلقاء خطبة الجمعة، فحمد الله وصلى على نبيه وقال: "أما بعد، فيا أيها الناس أني أراكم لا غنيا شاكرا ولا فقيرا صابرا، ألا لعنة الله عليكم أجمعين".

قبل أن يموت جحا ويذهب إلى مرقده الأبدي أوصى أن يكون قبره في وضع غير عادي على هيئة مضحكة حتى يبعث الناس على الضحك حتى في مماته، وأوصى أن تنقش هذه العبارة على شاهد قبره: "من أخذ امرأة لن يرتاح، ومن لم يأخذ امرأة لن يرتاح".

سأل رجل جحا: أتسطيع أن تفسر الأحلام؟ لقد رأيت أني أركب حصانا أبيض ذا ذيل أخضر، فأجابه جحا على ملإ من الناس: بكل بساطة لعله رأس فجل، فهو الحصان الأبيض ذو الذيل الأخضر.

غمر الطوفان المدينة على إثر أمطار عاصفية، فشاهد الجميع الإمبراطور يحاول النجاة بنفسه في عرض السيول الجارفة المندفعة، فلم يتمكن أحد من إنقاذه إلا أن عصفورا صغيرا مر مرفرفا فوقه وسأله: ماذا تفعل هنا أيها الإمبراطور؟ فأجاب هذا الأخير بنرفزة: أنا لم أفعل شيئا بل أنا المفعول بي كما ترى، العصفور: ولكنك أنت إمبراطور ولا يجوز أن يُفعل بك هكذا، كيف حدث هذا؟ لست أدري قال الإمبراطور كل ما هنالك هو أن الذي حرك هذه الفيضانات العارمة لم يتلق أوامره مني.

غضب كلب ذات يوم من سيده فهجره إلى الغابة، وفي الطريق وجد الضبع تسعى فسألها: أين أخي الذئب؟ فأجابت: هو هناك يتلذذ بأكل لحم نعجة طري، السلام عليكم قال الكلب، رد الذئب: تفضل وشاركني الطعام، أراك مهموما فما خطبك؟ هل طردك سيدك؟ لا قال الكلب، ولكنه بالغ كثيرا في إهانتي، إذن كُلْ فهذه النعجة من غنمه، وما إن سمع الكلب ذلك حتى كشر عن أنيابه وكر مدافعا عن النعجة، إلا أن الذئب بادره وصرعه وتمتم بنخوة: تبا لكم أيها العبيد.

اشترى حمار مسدسا وقرر بينه وبين نفسه اغتيال صاحبه، فسأله الراعي: لماذا تريد الإقدام على هذه الجريمة النكراء؟ من أجلك قال الحمار، كيف؟ قال الراعي، فرد الحمار: بِمَوْتِ هذا الخنزير ربما تصبح أنت المالك لهذه الأغنام، فأعيش أنا في بحبوحة أو تعتقني لوجه الحب، الراعي: هذه فكرة جميلة ورائقة، وما هي شروطك؟ الحمار: لا أشترط شيئا، كل ما هنالك أن تُصبح أنت السيد وأُصبح أنا الراعي، والفرق واضح لأن عُقْدَةَ الْعَبْدِ سوف لن تفارقك أبدا ومن هنا سوف تتعاطف معي، ابتسم الراعي وهمس في أذن الحمار: لا داعي.. سوف أقتله أنا بنفسي، غير أن الحمار لم يبتسم، وقال مع نفسه يبدو أنه في جميع الأحوال لا بد من عَبْدٍ ما.

رأى جحا في منامه أن شخصا تكرم عليه بعطية فيها تسعة وتسعين دينارا، ولكن الطمع دفع بجحا أن يقول: خليها مائة دينار كاملة، لم تنقص الدينار؟ فرفض واهب الدنانير وتململ جحا في منامه، ولما صحا وجد يده مبسوطة على الفراش وهي فارغة، فلا دنانير ولا هم يحزنون، فأغلق عينيه مسرعا ومد يده متلهفا وهو يصيح: هات حتى تسعين، فلا فرق عندي أن تكون تسعة وتسعين أو تسعين، فلا يوجد بين الأخيار حساب.

ذهب جحا إلى وليمة في ثياب رثة مهملة، فهو عالم فاضل لا يهمه مظهر الشكل ولا يُعطي قيمة للثياب، ولكن عند الباب قام الحراس بطرده وأبوا أن يسمحوا له بالمرور عندما شاهدوا هيأته وثيابه.

عاد جحا أدراجه من حيث أتى، ثم استعار ثيابا زاهية فاخرة عطرة مبرقشة تسر الناظرين، ثم قصد دار الوليمة، فأفسح له الحراس الطريق، ودخل بين الاحترام والانحناء، وجلس في الصدارة، وعندما قدمت صحاف الطعام وفاحت رائحة الشواء، وتصاعدت أبخرة الحساء، مد المدعوون أيديهم للافتراس، أما جحا فقد قام بغمس كمه في الطبق وهو يقول: كُلْ يَا كَمِّي، فَمَا كُلُّ هَذَا الإِكْرَام إِلاَّ لَك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق