الطغيان

الطغيان
تحكي قصة الحكيم كونفوشيوس والمرأة والنمر أن كونفوشيوس مر على مقربة من جبل 'تاي' فأبصر امرأة تقف إلى جانب أحد القبور وهي تبكي بمرارة وحرقة، فسارع الحكيم بإرسال تلميذه 'تسي لو' إليها يسألها: إنك لتبكين يا امرأة وكأنك احتملت من الأحزان ما فوق الأحزان.
فردت المرأة قائلة: إن الأمر لكذلك، فقد قَتَلَ نمر من ذي قبل والد زوجي في هذا الموقع، وَقَتَلَ زوجي أيضا، وها هو ولدي يموت الميتة نفسها أيضا في نفس الموقع.
فقال الحكيم كونفوشيوس: ولماذا.. لماذا لم تتركوا هذا المكان؟ فردت المرأة: لا توجد حكومة ظالمة هنا، فقال الجكيم آنذاك: تذكروا قولها يا أولادي، إن الحكومة الظالمة أشد فظاعة من النمر، والحياة في غابة أفضل من الحياة في مجتمع من دون قانون.
الحكاية الثانية هي للمترجم والفيلسوف المصري إمام عبد الفتاح إمام رحمه الله (1934-2019) في كتابه القيم الطاغية الذي أوضح فيه مفارقات فساد السلطة على مر فترات التاريخ الإسلامي، وحلل فيه تحليلا معمقا وموضوعيا تجارب الطغيان في العالم العربي، وسطر فيه تسطيرا عريضا في كون مناقب الحكم في الوطن العربي أُسِّسَتْ على عزوف الشعوب عن المطالبة بحقوقها إما عن جهل أو عن يأس، وتوصل في الأخير إلى نتيجة مفادها أن لا سبيل للتقدم العلمي والاجتماعي والإنساني في الوطن العربي إلا بتربية أجيال قادرة على التفكير النقدي ومتمكنة من أدوات العقل.  
الحكاية هي عبارة عن تجربة اجتماعية رهيبة تروي أنه جرت العادة في بلاد فارس قديما عندما يموت الْمَلِكُ أن يُتْرَكَ الناس خمسة أيام بغير مَلِكٍ وبغير قانون أي فراغ كلي في السلطة، حيث تعم الفوضى والاضطراب جميع أنحاء البلاد، وكأن الهدف من وراء ذلك هو أنه وبنهاية هذه الأيام الخمسة، وبعد أن يصل السلب والنهب والاغتصاب إلى أقصى مدى، فإن من يتبقى منهم على قيد الحياة بعد هذه الفوضى الطاحنة سوف يخضع ويمتثل ويكون لديه ولاء حقيقي وصادق للملك الجديد، إذ تكون التجربة قد علمتهم مدى رعب الحالة التي يكون عليها المجتمع إذا غابت السلطة السياسية.
الحكايتان مستقاتان من مؤلف 'رسالة في الاستبداد' للمفكر السوري خلص جلبي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق